تسلط الرواية الضوء على مجتمع المال والسلطة في تلك العهود، وما بها من مؤامرات وجريمة، من خلال صالة مزادات يتم افتتاحها باسم "صالة أورفانيللي"، التي تشهد كواليسها الكثير من خبايا المشهد المصري اجتماعيا وسياسيا، وصولا إلى خبايا كواليس الحكم نفسها، عبر 5 حقب من السلطة، يشملها زمن روائي شاسع وممتد، من أوائل القرن العشرين وحتى سبعينياته فترة حكم السادات، "الجريدة" رصدت أبرز الخبايا والتحولات، حسبما جاء في الرواية.

تبدأ الرواية بمصادفة غريبة، تقود أورفانيللي، الشاب اليهودي المصري المنحدر من أصول إيطالية، ليشارك صديقه منصور التركي في صالة مزاد، لن تلبث أن تقلب حياتهما رأسا على عقب بفعل لعنة ما، لتتبدل مصائرهما بعدها للأبد وبوتيرة لاهثة من الأحداث والتحولات، حيث تشهد الصالة سلسلة من الجرائم الغامضة المتلاحقة، رسائل غريبة، فاعل مجهول، تشابك معقد بين كواليس صالة المزاد وكواليس المشهد المصري الاجتماعي والسياسي.

Ad

خبايا المزادات

عبر سطور الرواية، نتعرف على خبايا المزادات، هذا العالم الغامض الذي سيطر عليه اليهود المصريون، من بدايات القرن الماضي حتى ما بعد قيام ثورة يوليو، كما نتعرف على كل الحيل وطرق الخداع ونوعية الزبائن وانفعالاتهم، لنكتشف جانبا من حقيقة الوجوه المدفونة خلف الأقنعة.

وفي خضم هذا التشابك السردي، تحليل لأسئلة الواقع والعالم والنفس الإنسانية، واستخلاص الأفكار العميقة من تربة الحدث، بحيث تكون المحصلة رواية شديدة الحيوية يسكنها التأمل.

وفي بيان لدار النشر، أشارت إلى أن "صالة أورفانيللي" ليست فقط رواية التاريخ، وليست فحسب تلويحة للماضي، أو مساءلة له، أو حتى محاكمة جديدة لعدد من وقائعه، لكنها في عمقها رواية الحاضر، وسؤال مفتوح مثل جرح على المستقبل، حيث تنعكس تناقضات لحظتنا على مرايا جميع ما فات.

مغامرة روائية

ويخوض العشماوي مغامرة روائية فريدة، ربما تكون الأكثر طموحا في مسيرته، ليعيد التنقيب في صفحة مطوية من تاريخ مصر، كاشفا المسكوت عنه، عبر حكاية شائكة غير متوقعة تضمها بنية سردية غير تقليدية، فيقدم رواية تاريخية عميقة في قالب بوليسي مثير، تجمع ببراعة بين الاستقصاء التاريخي والتوظيف المبهر لأدب الجريمة في بنية سردية غير تقليدية تجعل من "صالة أورفانيللي" رواية مختلفة على مستوى بنائها والطريقة التي تتشكل بها الحكاية.

تفاصيل غائبة

الرواية لا تكتفي بسارد واحد، بل تقدم الوقائع عبر وجهات نظر مختلفة، تمنح القارئ رؤية بانورامية للأحداث، ولا تكتفي الشخصيات بسرد الحكاية، لكن كلا منها تقلب ما ظنناه الحقيقة مرة بعد مرة، لتقدم حقيقة جديدة ولتزيح الستار عن تفصيلة غائبة تجعلنا نعيد ترتيب الأحداث من جديد كلما ظننا أنها استقرت ولم تعد تحتمل التكذيب أو التشكيك، وكأننا نشهد الأحداث لحظة وقوعها، ونكتب الرواية برفقة أبطالها.

وفضلا عن الشخصيات الرئيسية تنهض العديد من الشخصيات التي لا يمكن وصفها بالثانوية، حيث تلعب أدوارا فاعلة وحاسمة في تحريك الصراع وتشكيل الحدث، ما يجعلها قادرة على البقاء للأبد في ذاكرة قارئها.

لا يوجد فائز

في "صالة أورفانيللي" تتشابك العلاقات فيما بينها وتتعقد حتى يظن القارئ أنه يستحيل فكها، لنفاجأ بخيط رفيع يربط بينها في نهاية كل جزء من أجزاء الرواية، يجذبه المؤلف برفق كل مرة لنجد أنفسنا أمام تحولات درامية جديدة مربكة، وأحداث متسارعة شديدة الغموض، تتسلل عبر النص بسلاسة فائقة لتعرية سلوكيات مجتمع تعامل بعض أفراده في علاقاتهم الإنسانية بنفس طريقة مزايدتهم على قطعة فنية غالية، لكن لا أحد يخسر دائما، ولا يوجد فائز للنهاية.

أعمال وجوائز

يشار إلى أن أشرف العشماوي قاض مصري في محكمة الاستئناف وروائي، نشرت له العديد من الأعمال الروائية، منها "تذكرة وحيدة للقاهرة" و"سيدة الزمالك" و"بيت القبطية"، ووصلت روايته "تويا" للقائمة الطويلة للجائزة العربية للرواية (البوكر) لعام 2013، وفازت روايته "البارمان" بجائزة أفضل رواية عربية لعام 2014، من الهيئة المصرية العامة للكتاب، كما أصدر كتابا عن سرقة الآثار المصرية، وتعريبها بالصور والوثائق النادرة تحت عنوان "سرقات مشروعة"، وترجمت بعض رواياته إلى عدة لغات أجنبية.

محمد الصادق