بعدما اقتحم مناصرو الرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول، توسّعت التدابير الأمنية هناك استعداداً لتنصيب الرئيس المُنتخب جو بايدن (الذي تم أمس)، حيث تم نشر أكثر من 20 ألف حارس وطني، أي ما يفوق أعداد الجنود المنتشرين في العراق وأفغانستان بأكثر من مرتين. هذا هو العدد اللازم إذاً لحماية العاصمة واشنطن التي تمتد على مسافة 62 ميلاً مربعاً وتشمل أكثر من 700 ألف نسمة، وفي المقابل تغطي أفغانستان نحو 250 ألف ميل مربّع وفيها أكثر من 36 مليون نسمة، فلماذا يظن بعض صانعي السياسة والنقاد إذاً أن إبقاء وحدة صغيرة من القوات الأميركية في أفغانستان سيُحدِث فرقاً كبيراً لقمع أعمال العنف هناك؟ لن يتحقق هذا الهدف طبعاً ولا داعي لإبقاء الجنود في أفغانستان لحماية الأمن القومي الأميركي.

تحققت المهمة الأساسية في أفغانستان خلال أقل من سنة، وانهارت قيادة تنظيم "القاعدة" أو تبعثرت واضطرت للاختباء وسقط نظام "طالبان" بعد إقدامه على حماية أسامة بن لادن وأتباعه، لكن بدل إعلان النجاح، تغيرت المهام وباتت تهدف إلى بناء البلد ومكافحة التمرد.

Ad

تكمن المشكلة الحقيقية في الخطأ الاستراتيجي الذي يطبع الاحتلال الأجنبي رغم اعتماد حل عسكري تكتيكي صائب لمكافحة العنف، حيث يرسّخ الاحتلال الأجنبي المفهوم القائل إن الحكومة الأفغانية تخضع لسيطرة الولايات المتحدة وتحظى بدعمها بدل أن تكون حكومة مستقلة لبلد مسلم، ونتيجةً لذلك تصبح قوة الاحتلال في أفغانستان مبرراً لتجدد حملات الجهاد.

في نهاية المطاف، لا تقتصر جهود مكافحة التمرد الناجحة على إيجاد حل عسكري بسيط، بل تتطلب حلاً سياسياً أيضاً. مجدداً، تحمل التجربة البريطانية أهمية كبرى في هذا المجال لأنها تختصر الدرس المستخلص من اتفاق "بلفاست"، إذ لم يُهزَم الجيش الجمهوري الإيرلندي، بل تحقق السلام عن طريق المفاوضات، وبعد الوجود في أفغانستان لأكثر من 19 سنة وتكبّد كلفة مباشرة بقيمة 978 مليار دولار، تجدر الإشارة إلى أن الجيش البريطاني أمضى 38 سنة في شمال إيرلندا، يُفترض أن تكون هذه التجربة ركيزة أساسية لكل من يدعم البقاء في أفغانستان لفترة أطول.

قد يعجز الأميركيون عن تحقيق النصر في أفغانستان، لكنهم ليسوا مضطرين للفوز هناك أصلاً، فالصراع في أفغانستان ليس عبارة عن حرب حاسمة لحماية الأمن القومي الأميركي، ولا تطرح حركة "طالبان" تهديداً وجودياً على الولايات المتحدة، بل تشتق أعمال العنف في أفغانستان من حرب أهلية قديمة داخل العالم الإسلامي، وبالتالي لن تكون الولايات المتحدة مضطرة لخوض الحرب هناك والفوز بها، وحدهم الأفغان يستطيعون تحديد نتيجة الصراع النهائية.

يجب أن يدرك الجميع أن استمرار الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان ليس الحل المناسب بل إنه جزء من المشكلة المطروحة، حتى لو كانت أهدافه إيجابية أو حقق النجاح على مستوى العمليات والتكتيكات المعتمدة. هذا الانتشار العسكري المتواصل يخلق مشاعر بغض قوية تجاه الولايات المتحدة وسط السكان الأفغان وفي العالم المسلم عموماً. يمكن تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب المتبقية من دون نشر أي قوات عسكرية ميدانياً، ويجب أن يتمسك الأميركيون بمبدأ تقرير المصير الذي يلوّحون به دوماً ويسمحوا للحكومة الأفغانية بالتصرف ككيان مستقل واتخاذ القرارات بنفسها، حتى لو اختلفت تلك القرارات عن التوجهات الأميركية.

أخيراً، يُفترض أن يتعلق المعيار الأميركي الحقيقي الوحيد بتشجيع الحكومة الأفغانية على عدم تقديم الدعم أو ملجأ آمن إلى الجماعات الإرهابية القادرة على مهاجمة الأراضي الأميركية.

تشارلز بينيا - ريل كلير