قضت «التمييز» ببراءة متهم من تهمة حيازة وإحراز مواد مخدرة، وإلغاء السجن الصادر بحقه عامين مع الشغل والنفاذ، على ذمة اتهامه بالتعاطي، إلى جانب آخر عثر عليه متوفى بعد تعاطيه مواد مخدرة.

وكانت محكمة الدرجة الأولى وتبعتها «الاستئناف» قد أيدتا إدانة المتهم، على سند وجود سمات وراثية تعود إليه وتدل على أنه كان موجودا بتلك الحادثة، وكذلك تقرير تحريات المباحث، إلا أن محكمة التمييز الجزائية أكدت في حيثيات حكمها، عدم سلامة ذلك التقرير كسند لإدانته، وقضت ببراءته من التهم المنسوبة إليه.

Ad

تحديد الأسانيد

وقالت إن الشارع يوجب في المادة 175 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بني عليها، وإلا كان باطلا، والمراد بالتسبيب المعتبر تحديد الأسانيد والحجج المبني هو عليها، والمنتجة هي له، سواء من حيث الواقع أو من حيث القانون، ولكي يحقق الغرض منه يجب أن يكون في بيان جلي مفصل، بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، أما إفراغ الحكم في عبارة عامة أو وضعه في صورة مجهلة مبهم فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من استیجاب تسبيب الأحكام، ولا يمكن محكمة التمييز من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة، كما صار إثباتها في الحكم... وكان البيّن مما حصله الحكم المطعون فيه، سواء في بيانه لواقعات الدعوى أو إيراده لأدلتها، أن أسبابه جاءت في عبارات عامه شابها الإجمال والإيهام، فقد خلت جميعها مما يفيد إحراز الطاعن للسيجارة، والتي عثر بها على المادة المؤثرة عقليا، وأن تلك السيجارة عثر عليها بجوار جثة المتوفى التي تم العثور عليها بالحديقة، وقد خلت الأوراق من دليل أو شاهد يفيد إحراز الطاعن لتلك السيجارة، أو أنه الذي قام بتعاطيها، وأن إسناد الحكم تلك الواقعة للطاعن إنما جاء مبناه على الظن والتخمين، لا الجزم واليقين، ومن ثم فإن الحكم المطعون يكون، فضلا عما شابه من فساد في الاستدلال، معيبا بالقصور في التسبيب، مما يوجب القضاء بتمييزه.

الجزم واليقين

ولفتت المحكمة إلى أن من المقرر أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بإحدى حواسه، وكان من المقرر أن الأحكام الجزائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين وعلى الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والتخمين وعلى الفروض والاعتبارات المجردة. كما أنه من المقر أنه يكفي في المحاكمات الجزائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، لكي يقضي له بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام الظاهر في الحكم أنه أحاط بالدعوی عن بصر وبصيرة.

أدلة ناقصة

وذكرت أنها بعد أن عرضت لواقعات الدعوى وأدلة الثبوت فيها، التي ساقتها النيابة العامة، ترى أنها غير كافية لإسناد الاتهام إلى المتهم، إذ إنها جميعا قد خلت من دليل قاطع على أن السيجارة المضبوطة بمكان الواقعة، والتي عثر بها على المادة المؤثرة عقلياً، خاصة بالمتهم ولا يقدح في ذلك ما شهد به ضابط الواقعة من أن تحرياته دلت على أن المتهم هو الذي كان يحوزها؛ إذ إن تلك الأقوال مبناها الظن والتخمين ولا ترقى إلى مرتبة الدليل وهي مجرد رأي لصاحبها استمدها من تحريه لا من مشاهدته، ومن ثم لا يمكن التعويل عليها وحدها كسند للإدانـة.

السيجار المضبوطة

وقالت المحكمة إنه كما لا يغير من ذلك تقرير قسم الاستعراف، وما أفاد به من العثور على سمات وراثية للمتهم بجوار جثة المتوفى، إذ لا يصلح ذلك سندا للإدانة أو في نسبة السيجارة المضبوطة للمتهم، الأمر الذي تضحي معه أوراق الدعوى خالية من دليل تطمئن إليه المحكمة في ثبوت الإتهام قبله، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر؛ فإنه يتعين القضاء بإلغائه والقضاء ببراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المضبوطات عملا بحكم المـادة (49) من القانون رقم 48 لسنة 1987 في شأن مكافحة المؤثرات العقلية وتنظيم تداولها والاتجار فيها والمــادتین (172، 209) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.

حسين العبدالله