أكثر ما بات واضحاً في التعليم الكويتي هو الضبابية، وغياب الرؤية، ومرحلة التيه التي دخلتها وزارة التربية واستمرأتها خلال السنوات الأخيرة، وتنامت لتصل إلى ذروتها خلال حقبة «كورونا»، بما شهدته من تخبط، وتساهل غير محسوب من الوزارة غازلت به قطاعاً من أولياء الأمور، لا ينظر إلا تحت قدميه، دون اعتبارات لمصلحة إعداد الطلبة وحاجات البلد.

غير أن إقدام الوزارة على إلغاء الاختبارات الورقية هذا العام بداعي الخوف على سلامة الطلبة، مكتفية بمنحهم درجات اعتبارية للنجاح دون سند من واقع أو تحصيل علمي أو استفادة أكاديمية، اعتماداً على «التيمز» أو الدراسة «أونلاين» التي يعلم الجميع كيف تسير، إنما يمثل في حد ذاته جريمة بحق التعليم من الصعب تدارك سلبياتها المتعددة.

Ad

ورغم محاولة تبرير هذا القرار بأن هناك تقييمات افتراضية موضوعية قد تغني عن الاختبارات الورقية، وأن كل طالب سيأخذ حقه، فقد أثبت الواقع أنها لا تعدو أن تكون تقييمات صورية تكفل نجاح الجميع وبدرجات نهائية غير مستحقة

لا علاقة لها بمستوى الطالب الحقيقي، إذ ينوب عنه في الإجابة إخوته أو والداه أو معلمون مستأجَرون، وقد نشرت «الجريدة» منذ أيام على هذه الصفحة تحت عنوان «طلبة جامعيون للبيع... سعر الواحد 5 دنانير» أن الأمر وصل إلى حد نشر بعض المعلمين إعلانات تشمل قائمة أسعار لحل الواجبات والحضور والاختبارات.

وفي ردود أفعال على القرار، شدد عدد من الأكاديميين والتربويين، في تصريحات متفرقة لـ«الجريدة» على أهمية إجراء الاختبارات الورقية، معتبرين أن إلغاءها قرار غير حصيف يتضمن ظلماً للطالب المجتهد، ودماراً للمنظومة التعليمية، وتسفيهاً للأهداف التربوية المرجوة من العملية التعليمية.

ودعت وزيرة التربية السابقة د. موضي الحمود إلى البعد عن التقييم الجزافي، لاسيما في المرحلة الثانوية، محذّرة من أن النجاح التلقائي سيؤدي إلى تكرار كارثة تضخم الدرجات، وسينجم عن ذلك تعثر طلبة الثانوية عندما يلتحقون بالجامعة.

وبينما أكدت عضوة هيئة التدريس بجامعة الكويت د. إسراء العيسى أن الاختبارات هي الطريقة الوحيدة لقياس التحصيل العلمي، مُقرِّة بأن التعليم الإلكتروني ليس سيئاً لكنه طُبِّق بصورة سيئة، اعتبر رئيس أعضاء هيئة التدريس د. إبراهيم الحمود أن إعطاء الطالب شهادة بلا اختبار أشبه بمنحه رخصة لقيادة السيارة دون فحص قدرته الفعلية على القيادة، متوقعاً أن يكون وضع الجامعة مأساوياً في ضوء مخرجات «الثانوية» في هذه الفترة.

بدورها، رأت عضوة هيئة التدريس بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. سمية بن علي، أن في إعطاء جميع الطلبة درجات دون قياس ظلماً للطالب المجتهد، معتبرة أن تنظيم اختبارات ورقية وفق ضوابط واشتراطات صحية صارمة تضمن تحقيق التباعد أمر ممكن.

وأعرب عضو هيئة تدريس كلية التربية بجامعة الكويت

د. عبدالله الفيلكاوي عن رفضه إلغاء الاختبارات، داعياً إلى عدم ترك الأمور للاجتهادات الشخصية في موضوع التقييم، على أن تصاحب تلك الاختبارات عناصر أخرى للتقييم، فضلاً عن جعل التعليم الإلكتروني تفاعلياً لخلق أجواء شبيهة بالمدرسة تساهم في رفع نسب التحصيل.

أما مديرة ثانوية ليلى الغفارية نوير الدوسري، فأكدت ضرورة عقد اختبارات ورقية، بوصفها الوسيلة الأولى والفاعلة لقياس مستوى التحصيل، مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية لتأمين سلامة الطلبة، معقبة بأن «اعتماد آليات النجاح التلقائي دون وجود وسائل قياس دقيقة يدفع الطلبة إلى التراخي واللامبالاة».

فهد الرمضان