طبيعي أن تظهر إحدى نتائج التطبيع العربي الإسرائيلي في زيادة التعاون الدفاعي الصاروخي بقيادة الولايات المتحدة بين الدول التي تواجه أكبر تهديد من إيران، فكما جمعت واشنطن الحلفاء معاً ضمن "مشروع مانهاتن" لتطوير أسلحة ذرية، ينصحها اليوم الخبراء العسكريون والجيوستراتيجيون بأن تركز جهداً جماعياً مماثلاً لمواجهة الصواريخ الباليستية والقذائف القصيرة والمتوسطة المدى والطائرات بدون طيار.

في 15 ديسمبر، أشار موشيه باتيل، رئيس "منظمة الدفاع الصاروخي" الإسرائيلية، علناً إلى أن وكالته مهتمة بالعمل مع دول خليجية، انطلاقاً من التعاون الأميركي-الإسرائيلي القائم في قطاع الدفاع الصاروخي، وتشكل هذه الدول جماعة ذات مصالح مشتركة واضحة، فجميعها مهددة من القوة الإيرانية السريعة التطور في مجال الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار.

Ad

وهذه الجماعة- التي يمكن توسيعها في الوقت المناسب لتشمل دولاً عربية أخرى- تقدّم فرصة إلى إدارة بايدن المقبلة لبناء تحالفات إقليمية أقوى وتوجيه حلفاء الولايات المتحدة وشركائها نحو الاحتواء الدفاعي لإيران، بدلاً من الكوارث المكلّفة والمدمّرة مثل حرب اليمن. فكما جمعت واشنطن الحلفاء معاً ضمن "مشروع مانهاتن" لتطوير أسلحة ذرية في السنوات 1942-1946، عليها أيضاً أن تركز جهداً جماعياً مماثلاً لمواجهة الصواريخ البالستية والقذائف القصيرة والمتوسطة المدى والطائرات بدون طيار: أولاً في الشرق الأوسط، ولكن مع قابلية تطبيق واضحة في إطار منافسة القوى العظمى ضد الصين وكوريا الشمالية وروسيا. وظهرت الحاجة الملحة لقدرات دفاعية أكبر في بغداد في 20 ديسمبر، عندما تم استهداف السفارة الأميركية بواحد وعشرين صاروخاً، وهو أكبر هجوم ضد منشأة أميركية منذ عام 2010.

تحديد التهديد المشترك

تؤكد مراجعة سريعة للأحداث العسكرية الأخيرة سبب أهمية تحقيق تطور يكون بمثابة وثبة إلى الأمام في أنظمة الدفاع:

الولايات المتحدة، ففي العام الماضي، قُتل ثلاثة أميركيين في العراق على أيدي الميليشيات المدعومة من إيران، وتعرَّض ما يقرب من مئة آخرين لإصابات في الدماغ عندما أطلقت إيران صواريخ باليستية على "قاعدة الأسد الجوية" رداً على القتل الأميركي المستهدف للجنرال قاسم سليماني. وفي الحالة الأخيرة، لم يكن لدى الولايات المتحدة ما يكفي من صواريخ "باتريوت" الاعتراضية لتغطية جميع القواعد في جميع أنحاء العالم كما لم تخصص بطارية كهذه في "قاعدة الأسد"، مما يؤكد حقيقة كَوْن أنظمة الدفاع الصاروخي الموجودة حالياً باهظة الثمن وبالتالي نادرة. وخلَق هذا الوضع مشاكل أخرى كثيرة للجيش الأميركي. على سبيل المثال، نظراً لأن المراكز المهمة مثل "مركز العمليات الجوية المشتركة" في قطر معرضة لهجمات إلى حد ما، فقد اضطرت "القيادة المركزية الأميركية" إلى نقل جميع مهام القيادة والسيطرة الأميركية إلى مواقع بعيدة مثل "قاعدة شو الجوية" في ولاية ساوث كارولينا. بالإضافة إلى ذلك، من أجل اعتراض حتى الصواريخ التكتيكية الرخيصة من النوع المستخدم في هجوم 20 ديسمبر، كان على القوات الأميركية إطلاق النار في رشقات طويلة من الرصاص المتفجر من العيار الثقيل فوق عاصمة دولة شريكة، بمواجهتها خطرا كبيرا وبنجاح جزئي فقط، وإذا تم إطلاق دفعات أكبر من الصواريخ في المستقبل، فسيتم التغلب بسرعة على مثل هذه الدفاعات. وأصبحت هناك حاجة ملحة وبشكل متزايد إلى نظام الطاقة الموجهة (الليزر) المضاد للصواريخ.

إسرائيل

ظَلَّ 120.000 إلى 150.000 صاروخ غير موجه ودقيق يخيّم منذ فترة طويلة فوق إسرائيل من الشمال، ومصدرها «حزب الله» اللبناني، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإيران حالياً شن هجمات بصواريخ وطائرات بدون طيار ضد إسرائيل من سورية والعراق ومن أراضيها أيضاً، وظهرت جبهة محتملة أخرى في 23 نوفمبر، عندما هدد شركاء إيران الحوثيين في اليمن بإطلاق صواريخ على إيلات في جنوب إسرائيل.

الإمارات

يفيد بعض التقارير أنه منذ عام 2017، هدد الحوثيون مراراً وتكراراً بضرب الإمارات، وتابعوا تلك التحذيرات بهجوم بطائرة بدون طيار بعيدة المدى على "مطار أبو ظبي الدولي" في يوليو 2018، وقد هددت إيران الإمارات بشكل مباشر أيضاً، ويمكنها نظرياً إغراق البلاد بتشكيلة مختلفة وضخمة من الصواريخ والطائرات بدون طيار القصيرة المدى وقذائف تكتيكية طويلة المدى. وبالمثل، عندما تم نشر القوات الإماراتية في اليمن، كانت تتعرض باستمرار لإطلاق نار من طائرات بدون طيار وقذائف دقيقة تابعة للحوثيين، وأبرزها عندما قُتل نحو خمسين جندياً في هجوم على قاعدة في سبتمبر 2015.

السعودية

منذ عام 2015، أُرغمت المملكة على إخلاء العديد من البلدات الصغيرة على طول حدودها الجنوبية بسبب هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة بمساعدة إيران، وفي عام 2017، بدأ الثوار بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة إيرانية متوسطة المدى على الرياض والمركز الاقتصادي في ينبع، وفي الآونة الأخيرة، استهدفوا جدة في 23 نوفمبر، في اليوم نفسه الذي هددوا فيه إسرائيل شفهياً. وفي الشمال، أطلقت إيران طائرات بدون طيار وصواريخ جوالة على السعودية مرتين في عام 2019، من العراق ومن أراضيها (بما في ذلك الهجوم الكبير على بقيق أكبر محطة لمعالجة النفط في العالم).

ثمار التنمية التعاونية

لا يمكن تحّمل التكلفة الحالية لتبادل التهديدات بين إيران وأعدائها، فاليوم تبلغ تكلفة أنظمة الاعتراض الأميركية والإسرائيلية الأكثر قدرة، "باتريوت" و"ديفيد سلينغ"، نحو 2 إلى 4 ملايين دولار لكل إطلاق صاروخ، في حين سعر كل صاروخ إيراني أو قذيفة أو طائرة بدون طيار هو عادة عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات على الأكثر، ومما زاد الطين بلة، أن شبكة التهديد الإيرانية تشكل الآن تحدياً متعدد الاتجاهات للقواعد الأميركية ولشركاء الولايات المتحدة، حيث يُحتمل أن تنطلق عمليات الإطلاق من إيران ولبنان واليمن وسورية والعراق وحتى من السفن أو الغواصات. كما أن سلامة الحركة الجوية المدنية معرضة للخطر بشكل متزايد، كما أظهر إسقاط إيران العرضي لطائرة ركاب أوكرانية في يناير 2020.

وإذا لم يصبح الدفاع الصاروخي أرخص وأكثر أماناً وفعالية، فقد تفقد الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة قريباً القدرة على إقامة دفاع هادف ضد إيران، ناهيك عن التهديدات العالمية الأوسع نطاقاً من الصين وكوريا الشمالية وروسيا، وقد يؤدي ذلك إلى العديد من التطورات السلبية، مثل: جهود مكلّفة وفاشلة لتحسين الدفاع الصاروخي من جانب واحد؛ انسحاب الولايات المتحدة القسري من نقاط الوجود الرادعة المهمة؛ خضوع دول المنطقة لطهران؛ وميل نحو الخيارات الهجومية والأسلحة غير التقليدية في التعامل مع التهديدات الإيرانية.

ويكمن الحل في تجميع الموارد، بدءاً من الشرق الأوسط، الذي يواجه التهديد الصاروخي الأكثر فورية، وتمتلك إسرائيل نظام دفاع صاروخي عملياتي متعدد المستويات وخبرة عملية واسعة في تشغيل أجزاء منه (على سبيل المثال، نظام "القبة الحديدية"، الذي يفتخر باعتراض نحو 2000 صاروخ كما قيل)، ويُعتبر الشركاء العرب من دول الخليج في وضع جيد لمراقبة مناطق الإطلاق في إيران واليمن والتي لا تستطيع إسرائيل مراقبتها بسهولة، وتتمتع السعودية والإمارات أيضاً بخبرة واسعة في التعامل مع التهديدات الحديثة للصواريخ والطائرات بدون طيار بعد خمس سنوات من الهجمات في اليمن ومنها، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية الأخيرة، لا تزال هذه الدول غنية جداً ويمكنها تعويض بعض من 3 إلى4 مليارات دولار من تكاليف أبحاث وتطوير الدفاع الصاروخي التي تتحملها الولايات المتحدة كل عام، ويمكنها أيضاً المساهمة بأجهزة استشعار في نظام إنذار مبكر في المنطقة.

تداعيات على السياسة الأميركية

من الضروري تسريع وتيرة العمل الجماعي في مجال الدفاع الصاروخي، وتخفيض كلفته على دافعي الضرائب الأميركيين على المدى الطويل، فقد أنفقت الولايات المتحدة 40 مليار دولار على البحث والتطوير منذ عام 1999، أي ما يقارب ضعف تكلفة "مشروع مانهاتن" والتي توازي قيمتها اليوم 23 مليار دولار، ولكن من دون تحقيق النتائج ذاتها التي تغير قواعد اللعبة، وتتكاثر التهديدات الجديدة بسرعة، مثل أسلحة الانزلاق التي تفوق سرعة الصوت والتي قد تكون قادرة على التنقل بسرعة تصل إلى 5 ماخ. كما تبرز فرص دفاعية جديدة، على غرار أجهزة الليزر العالية الطاقة التي تم اختبارها ونشرها مؤخراً ميدانياً وأنظمة الميكروويف العالية الطاقة التي يمكنها خفض تكلفة كل طلقة للدفاع الصاروخي إلى أقل من 10 دولارات، مع زيادة عدد الطلقات المتوافرة إلى حد كبير، ومع ذلك، ففي هذه الفترة الحاسمة من دورة التطوير، من المنتظر أن تنخفض ميزانية "وكالة الدفاع الصاروخي" الأميركية بنسبة 12%، من 10.5 مليارات دولار في عام 2020 إلى القيمة المطلوبة لعام 2021 وقدرها 9.2 مليارات دولار، وكما أشار "مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية" منذ ما يقرب من عشر سنوات، فإن أكبر عائق أمام نشر أنظمة دفاع الطاقة الموجهة ليس عدم نضوج التقنيات المرتبطة بها، بل النقص في التمويل الأولي الضروري لخفض تكلفة الدفاع الصاروخي بشكل كبير في المستقبل.

ولمعالجة هذه القضايا، تدرس إدارة بايدن إمكان اتخاذ الخطوات التالية في أقرب وقت ممكن عملياً:

• تكثيف أبحاث الدفاع الصاروخي مع إسرائيل. ولتعويض النقص في أجهزة الاعتراض، عمدت الولايات المتحدة إلى شراء بطاريتي دفاع جوي إسرائيليتين منخفضتي الارتفاع من نظام "القبة الحديدية" في وقت سابق من هذا العام، لكن قضايا الأمن السيبراني والتشغيل البيني أبطأت وصولهما، كما نظر الجيش الأميركي في استخدام صواريخ "ستنر" (Stunner) من نظام "ديفيد سلينغ" في بطاريات "باتريوت". ولتعزيز هذه وغيرها من مشاريع الدفاع الصاروخي، على إدارة بايدن أن تفعل ما في وسعها لتسهيل "قانون التعاون في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل" (HR 6725).

• حث الشركاء الإقليميين على التحدث عن الدفاع الصاروخي. وعلى "وكالة الدفاع الصاروخي" الأميركية و"المنظمة المشتركة للدفاع الجوي والصواريخ" (JIAMDO) إنشاء ورشة نقاش للسلطات الأميركية والإسرائيلية والخليجية للبدء في رسم معالم فرص التعاون، وقد يُطلب من السعودية الانضمام كمراقب، إلى جانب حلفاء "الناتو" والقوى الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، وكما هي الحال مع الأبحاث الذرية، وكسر الشفرات، ومجالات أخرى في الماضي، يمكن لحلفاء الولايات المتحدة الأصغر أن يقدموا مساهمات مهمة في مجالات متخصصة مثل الذكاء الاصطناعي، وإدارة المعركة، والروبوتات، وتقنيات الليزر (ربما ساعدت اليابان وكوريا الجنوبية بالفعل دول الشرق الأوسط على تنشيط عملها المتوقف على شبكات الاستشعار المشتركة).

• العمل على التآزر وتوفير التكاليف. فلحماية الموطن الأميركي من الأعداد الصغيرة من الصواريخ العابرة للقارات ذات الرؤوس النووية التي قد تطلقها الدول المارقة، سعت الولايات المتحدة إلى تركيز المزيد من الموارد على مكافحة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتطوير قدرات ذات ارتفاعات عالية جداً و"تعزيز مرحلة" تدمير الصواريخ البعيدة المدى في "مرحلة الانطلاق"، بشكل أساسي باستخدام صواريخ اعتراضية باهظة الثمن وأجهزة ليزر بنطاق ميغاواط. وفي الوقت نفسه، لدى شركاء أميركا في المنطقة حاجة ملحة إلى دفاعات مماثلة ذات ارتفاعات منخفضة ضد إمكانية استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ قصيرة المدى لتنفيذ "اجتياحات سربية" ضد مدن في إسرائيل، والإمارات، والسعودية، وهو تهديد تتعرّض له أيضاً القواعد الأميركية الموجودة على مقربة من إيران أو الصين أو كوريا الشمالية أو روسيا. لذلك، يجب على واشنطن أن تستفيد من الاهتمام الشديد لهؤلاء الشركاء في توفير الموارد للأبحاث الأميركية الواعدة ولكن غير الممولة بما فيه الكفاية حول الأنظمة القصيرة والمتوسطة المدى، والتي تتضمن تقنيات مثل أجهزة الليزر التي تتراوح قدرتها بين 100 و600 كيلوواط وأنظمة الميكروويف العالية الطاقة وبنادق البارود الفائقة السرعة.

*متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج

مايكل نايتس - واشنطن إنستيتوت