كان الحفاظ على الصداقات في عام 2020 عملاً شاقاً، فقد بدا تنظيم مؤتمرات متكررة عبر الفيديو، حتى مع أقرب أفراد العائلة، أصعب من أن يتحمّله الكثيرون؛ لهذا السبب، وجد الرفاق وزملاء العمل صعوبة في الصمود خلال عصر التباعد الاجتماعي.

لكن لا يجازف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهته بالابتعاد عن واحد من أقرب حلفائه في العالم، ففي السنة الماضية اعتبر الرئيس الصيني شي جين بينغ الزعيم الروسي "صديقه المقرّب"، ويبدو أن هذه العلاقة لن تتزعزع بسبب التحديات الجديدة.

Ad

خلال مكالمة ثنائية بين بكين وموسكو في 29 ديسمبر، أصرّ شي جين بينغ على حرص الجانب الصيني على تطوير شراكة أعمق من أي وقت مضى، معتبراً أن "التعاون الاستراتيجي بين الصين وروسيا يستطيع مقاومة أي محاولة لقمع البلدين أو تقسيمهما".

كانت الرسالة التي يريد توجيهها إلى العالم وإلى الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن واضحة: سيضطر الغرب لمواجهة جبهة موحّدة، حيث تتعرض الصين وروسيا للعقوبات من واشنطن وشركائها بطريقة أو بأخرى، ولا يخفي الرئيس الأميركي المقبل نفوره من الجهتَين معاً، وبناءً على الاستنتاجات التي استخلصها بايدن من الحرب الباردة خلال العقود التي أمضاها في مجلس الشيوخ، ستبقى موسكو وبكين جزءاً من المعسكر الشرير وفق رؤيته العالمية للسياسة الخارجية.

يواجه شي جين بينغ وبوتين مجازفات كبرى بسبب عملية انتقال السلطة في الولايات المتحدة، حيث تتوق الصين إلى انتهاء حملة ترامب الهجومية ضد شركاتها وصادراتها بعد رحيله من السلطة، لكن لا شيء يضمن أن تكون الإدارة الأميركية التي يديرها الحزب الديمقراطي أقل عدائية، كذلك تحمل روسيا مخاوف حقيقية من انهيار روابطها الثنائية مع الولايات المتحدة بعد انسحاب واشنطن من سلسلة معاهدات للحد من التسلح، وبما أن روسيا لن تحقق أي مكاسب من خوض سباق تسلّح جديد، فهي تعوّل على بايدن كي يمدّد معاهدة "ستارت الجديدة" (آخر اتفاقية متبقية حول عدد الصواريخ النووية التي يستطيع البلدان الحفاظ عليها في ترسانتهما)، وما لم تعد واشنطن إلى طاولة المفاوضات، فإن صلاحية هذه المعاهدة ستنتهي في فبراير المقبل.

يظن المحللون منذ وقت طويل أن العلاقة المزدهرة بين روسيا والصين هي مجرّد علاقة سطحية وغير متساوية نظراً إلى الفرق في حجم اقتصاد البلدَين، لكن لا تبدو هذه التوقعات دقيقة، ونظراً إلى التوتر السياسي بين الشرق والغرب، وجد أكبر بلد في العالم والبلد الأكثر اكتظاظاً بالسكان أنفسهما في زواج مصلحة، ومن الواضح أن الطرفَين يقدّران قيمة هذه العلاقة، فقد ساهمت التجارة مع الصين في دعم الصناعات الروسية رغم العقوبات وبدأت موسكو تتحول سريعاً إلى أهم جهة لتوريد الطاقة إلى الدولة المجاورة لها.

لكن إذا كان التباعد بين موسكو وبكين مستحيلاً كما قال شي جين بينغ هذا الأسبوع، فلا مفر من التساؤل عن احتمال زيادة التقارب بينهما، ورغم الخطاب الودّي بين الصين وروسيا، تبقى الدبلوماسية التي تجمعهما سطحية، ورغم تقارب البلدَين في مجالات التجارة والاستثمار، لا تزال العلاقة بينهما عبارة عن شراكة اقتصادية واسعة لكن لا يدعمها أي شكل من التكامل السياسي.

تتكل الكتل الغربية التي يحاول البلدان التصدي لها على تبادل المعلومات الاستخبارية عبر أدوات مثل تحالف "العيون الخمس" الاستخباري وعبر العمليات العسكرية المشتركة تحت مظلة حلف الناتو، ويبدو أن الجواسيس الصينيين والجنرالات الروس لا يزالون بعيدين عن هذا الشكل من التحالفات، حتى الآن على الأقل، ونظراً إلى تنامي قلق روسيا من توسّع دور الصين في نطاق نفوذها التاريخي في آسيا الوسطى، فلن يتغير هذا الوضع في الوقت الراهن على الأرجح. في غضون ذلك، حصل كل طرف منهما على ما يريده من الطرف الآخر ولا يرغب أيٌّ منهما في توسيع الشراكة الاقتصادية في هذه المرحلة.

نتيجةً لذلك، سيكون الترويج لفكرة تعميق التحالف الدائم بين موسكو وبكين أكثر نفعاً للطرفَين من تنفيذ هذه المقاربة على أرض الواقع، حيث يحمل البلدان سجلاً حافلاً بتجاوز عداوات الماضي وخلافات الحاضر لمواجهة العقوبات والحروب التجارية ومحاولات عزلهما سياسياً، ولا شك أنهما تضررا من جراء خوض هذه المعارك، لكنهما يحرصان على طرح أنفسهما كجبهة موحّدة لإثبات قدرتهما على الصمود معاً عند الحاجة.

لا يريد بوتين ولا شي جين بينغ أن يديرا ظهرهما للغرب بل العكس صحيح، وبما أن خط أنابيب "نورد ستريم 2" الضخم يربط بين حقول الغاز الطبيعي في سيبيريا والمستهلكين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، فإن روسيا تخطط بكل جرأة لدورها المستقبلي في أسواق الطاقة الأوروبية، وقد حققت الصين من جهتها هدفاً بالغ الأهمية في 30 ديسمبر، فوقّعت اتفاقا تجاريا شاملا مع الاتحاد الأوروبي بعد سبع سنوات من المفاوضات الشاقة، ومن الواضح أن الطرفَين يريدان الحفاظ على علاقات مستقرة مع هذه المنطقة لضمان ازدهارهما.

لكن لا يدعم الجميع هذا المعيار، إذ تضغط الولايات المتحدة بقوة لإلغاء مشروع "نورد ستريم 2"، حتى أنها عمدت إلى فرض العقوبات على الشركات الألمانية المشارِكة في بنائه على اعتبار أنه يطرح تهديداً هائلاً على أمن الطاقة، لكن يزعم النقاد أن دوافع واشنطن ليست نبيلة لهذه الدرجة بل إنها ترتبط برغبتها في إيصال الغاز الصخري الذي تنتجه إلى السوق الأوروبي، كذلك، يجازف قرار بروكسل بالتساهل مع بكين في نهاية السنة بزيادة عدائية الإدارة الأميركية المقبلة والمنتهية ولايتها.

قد تكون العلاقات ودّية بين الكرملين وبكين ومفيدة للطرفين إذاً، لكن تتمحور أقوى نقاطها حول التهديد بتعميق تلك العلاقة في وجه أي صراعات سياسية واقتصادية، وإذا اضطرت موسكو لتصدير كميات أقل من الغاز إلى أوروبا، فستبدأ بتصدير المزيد إلى الصين، وإذا شعرت بكين بتصاعد التوتر البحري مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، يبقى توسيع التنسيق مع الأسطول الروسي في بحر اليابان خياراً وارداً في جميع الحالات.

قد يصبح هذا النوع من الترتيبات كابوساً حقيقياً بالنسبة إلى عدد كبير من القادة الغربيين، لكن تكمن المفارقة في قدرة عدد صغير منهم على التأثير في مسار إقرار هذه الخطوات، وفيما يتعلق بالعواصم الأوروبية والولايات المتحدة، تجازف كل خطوة عدائية أو عقوبة أو رسم جمركي جديد بتعزيز التقارب بين روسيا والصين.

غابريال غافين- دبلومات