تتسابق الدول العربية اليوم للتطبيع مع إسرائيل بعد مرور حوالي 72 سنة على اعتراف الأمم المتحدة بتأسيس هذا الكيان اليهودي غير الطبيعي وسط العالم العربي، بل إن الأمر أصبح مقلوباً رأساً على عقب، فأصبحت إسرائيل تختار الدول التي تريد التطبيع معها وتتجاهل البقية، بعد أن كانت منبوذة من قبل العالم العربي. هذا في زماننا الحالي، أما في عام 1939م، فقد كان الوضع مختلفاً جداً، وكانت بريطانيا، التي أعطت وعداً لليهود لتأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، ترى أنه ليس من العملي أن يعطى لليهود دولة مستقلة في فلسطين. جاء ذلك واضحاً فيما يسمى بـ "الكتاب الأبيض"، كما فصلنا في المقالين السابقين، وهو وثيقة بريطانية صدرت قبل الحرب العالمية الثانية بقليل.

تناولنا في المقالين السابقين ما ورد في الصفحتين الأولى والثانية من هذه الوثيقة، واليوم نستعرض صفحات أخرى لنرى كيف كان الموقف البريطاني تجاه هذه القضية المعقدة.

Ad

في الصفحة الثالثة أوضحت الحكومة البريطانية أنها حينما وعدت بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين (فيما يسمى بوعد بلفور عام 1917) لم تكن تقصد من ذلك أن يتم فرض حكومة يهودية لإدارة كل أنحاء فلسطين رغماً عن العرب. وأكدت أنها في تقاريرها الرسمية السابقة وخصوصاً كتابها الأبيض لعام 1922م لم تتخذ موقفاً مؤيداً لهذا التوجه الذي تكرره بعض الأوساط اليهودية والعربية. واستذكرت ما جاء في بيان عام 1922 بالنص قائلة: "لقد قيلت أقوال غير مصرح بها مؤداها أن الغاية التي يرمي إليها هذا التصريح هي خلق فلسطين يهودية برمتها. واستعملت عبارات كمثل القول بأن فلسطين ستصبح يهودية كما أن إنكلترا إنكليزية، وحكومة جلالته تعتبر أن كل أمل كهذا غير ممكن التحقيق، وهي لا ترمي إلى مثل هذا الهدف كما أنه لم يخطر في بالها في أي وقت من الأوقات... أن يزول الشعب العربي أو اللغة أو الثقافة العربية في فلسطين، أو أن تصبح مسيطراً عليها".

بمعنى آخر، كان الموقف البريطاني في عام 1922 وما بعده إلى ما بعد الحرب الثانية يؤيد إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهذا الوطن لا يعني تولي اليهود للسلطة وتحويل فلسطين إلى بلد يهودي وإلغاء اللغة العربية والثقافة الفلسطينية.

هذا الموقف تم توضيحه في الكتاب الأبيض لعام 1939، فقد ورد في نصه ما يلي: "ولذلك فإن حكومة جلالته تصرح الآن بعبارة لا لبس فيها ولا إبهام، إنه ليس من سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية. وهي تعتبر في الواقع أنه مما يخالف الالتزامات المترتبة عليها نحو العرب بموجب صك الانتداب، والتأكيدات التي أعطيت للشعب العربي فيما مضى أن يُجعل سكان فلسطين العرب رعايا دولة يهودية خلافاً لإرادتهم".

في المقال المقبل نستكمل استعراض وثيقة الكتاب الأبيض البريطاني حول فلسطين لعام 1939م.

باسم اللوغاني