من المرجّح أن تخضع مشاركة تركيا المستقبلية في حلف شمال الاطلسي (الناتو) للتدقيق مجددا عقب قرار واشنطن هذا الأسبوع فرض عقوبات على أنقرة بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية S-400 المضادة للطّائرات.

وازداد التوتر بين الولايات المتّحدة وتركيا، وكلتاهما لاعبتان أساسيتان في التّحالف العسكري، منذ أعلن الرّئيس التّركي رجب طيب أردوغان في عام 2017 التفاوض بشأن صفقة أسلحة كبيرة مع روسيا شملت شراء منظومة صواريخ.

Ad

ويمثّل هذا الاتّفاق إشكالية خاصّة لحلف النّاتو، بما أنّ المنظومة صُمّمت خصيصا لتدمير طائرة مقاتلة جديدة من طراز F-35، طوّرتها الولايات المتّحدة مع عددٍ من الحلفاء الأساسيين ومن بينهم بريطانيا، وتركيا في الواقع من الدول القليلة– إضافةً الى الإمارات العربية المتحدة- التي حظيت بموافقة واشنطن لشراء أحدث الطائرات، ولكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما لبثت أن ألغت مشاركة تركيا في برنامج F-35 بسبب الصّفقة الرّوسية.

غضب في أنقرة وموسكو

وانتقل الخلاف اليوم إلى مستوى آخر بعدما أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في وقت سابق من هذا الأسبوع أن واشنطن ستفرض عقوبات على عناصر رئيسة في صناعة الدّفاع التّركية، وأثارت هذه الخطوة غضب كلّ من أنقرة وموسكو اللّتين قرأتاها كعقاب لقطاع الدفاع في البلدين معاً.

كما يثير فرض عقوبات من دولة عضو في الناتو ضد دولة أخرى تساؤلات جدّيّة حول مستقبل الحلف، فبعد انضمامها إلى التّحالف في خمسينيات القرن الماضي في ذروة الحرب الباردة، أدّت أهمية تركيا الجيوسياسية دورا رئيسا في حسابات الناتو الاستراتيجية. وكان قربها من دولتي جورجيا وأرمينيا في الجنوب السوفياتي خلال الحرب الباردة، يعني قدرة التّحالف على منع الاتّحاد السوفياتي من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط في مضيق البوسفور، إضافةً إلى تمكين الولايات المتّحدة من وضع صواريخ باليستية على الأراضي التركية.

واستخدمت الولايات المتّحدة أخيراً قواعدها الجويّة في تركيا لشنّ غارة جويّة لتدمير معاقل تنظيم داعش في سورية والعراق.

توتر العلاقات مع الحلف

وعلى أي حال لم تكن عضويّة تركيا في التحالف خاليةً من التحديّات، وأُثير أول التساؤلات حول استمرار مشاركتها في الناتو في السبعينيات- إبان أزمة قبرص في عام 1974- حين خاضت حرباً مع اليونان كدولة رئيسة أخرى في التحالف، وبالرّغم من أنّ سلوك تركيا بشأن قضيّة قبرص كان مقلقا وانتهى بالغزو التّركي واحتلال شمال قبرص، فإنَّه لم يعتبر انحيازاً لأنقرة إلى دولةٍ معاديةٍ كما ينظر الآخرون اليوم في الناتو الى علاقة أردوغان العميقة مع موسكو.

فخلال الحرب الباردة، كانت فرضية ارتباط حليف رئيس للناتو بموسكو مستحيلة، ولكن أردوغان لا يتورّع اليوم عن تعميق تلك العلاقة، حتى حين يعتبر بعض الأعضاء أنّ روسيا تشكّل تهديداً استراتيجياً كبيراً لأمنهم، وعدا توقيع صفقة الأسلحة مع موسكو، تطوّر مستوى التعاون بين تركيا وروسيا إلى درجة قيامهما بعملياتٍ مشتركة في سورية بالرّغم من إشتباك قواتهما فيها.

ولكن تطوّر علاقة تركيا مع روسيا ليست القضية الوحيدة التي أدّت إلى توتّر علاقاتها مع الغرب، إذ إنّ دعم أردوغان لقضية الإسلاميين المتطرفين ومعارضته للاتّفاق الإماراتي الإسرائيلي الموقّع أخيرا بالإضافة إلى دعم أنقرة لجماعات مسلحة في دول مثل سورية وليبيا، تضعه في مسار تصادمي مع حلفائه السّابقين.

العدائية العميقة للغرب

وأثارت عدائيّته العميقة للغرب أخيرا خلافا دبلوماسيا مع باريس عندما اتّهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحاجة إلى «علاجٍ نفسي» بعد محاولته التصدّي للإسلام السياسي في البلاد عقب سلسلة هجمات إرهابية إسلامية في فرنسا.

نزاعٌ آخر كبير بين تركيا وأوروبا يتمثل بإصرار أنقرة على عمليات تنقيب عن الغاز في المياه التي تطالب بها قبرص مما أدى إلى تفاقم التصعيد بين أنقرة وأثينا في الصيف وأثار مخاوف من وقوع اشتباك بحري بين البلدين.

وردّ الإتّحاد الأوروبي هذا الأسبوع على ما يعتبره سلوكا استفزازيا لتركيا في شرق البحر المتوسط بفرض عقوبات على عدد غير محدّد من المسؤولين والكيانات التركية المتورطة في عمليات التنقيب عن الغاز، وثمة احتمال بفرض عقوبات أشدّ قسوة في حال قررت إدارة جو بايدن المقبلة اتّخاذ مزيد من الإجراءات المشدّدة.

باختصار، بات سلوك تركيا مع حلف الناتو في عدد من القضايا الرئيسة مستهتراً لدرجة طرح تساؤلات جدية حول جدوى استمرار عضويتها.

وتستفيد أنقرة من عامل يصب في مصلحتها حتى يومنا هذا، وهو افتقار ميثاق التحالف لآلية تتيح طرد الدول الأعضاء الشاذّة، وتنصّ المادّة 13 من معاهدة الحلف التّأسيسيّة للتّحالف على جواز انسحاب أي دولةٍ من الحلف طوعا، ولكنّ المادة لا تتناول مسألة الطرد.

إلّا أنّ ذلك قد يتغيّر في حال قرر التحالف نتيجةً لسلوك أردوغان وحماية مصالح الأعضاء الآخرين تعديل الوثيقة التأسيسيّة، ولا شكّ أنَّ تغيير قواعد عضويّة الناتو لطرد تركيا سيكون خطوة جذرية قد تسبب قلقاً في كثير من العواصم الأوروبية، ولكن استمرار أردوغان في سلوكه الاستفزازي قد يوصل الأمور إلى درجة يشعر فيها قادة الناتو أنّه ليس أمامهم من بديلٍ آخر.

كون كوغلين – ذا ناشيونال