قال تقرير الشال الاقتصادي الاسبوعي إن الناس في الصين في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت، كانوا جياعا ومرضى وبدلاً من التركيز على إطعامهم وعلاجهم، أعلنت الصين ثورتها الثقافية بنسبة مبررات الأوضاع المزرية إلى الانحراف عن النقاء الثوري الذي قاد ثورة عام 1949. ولأن الأيديولوجية لا تشبع جوعاً ولا تشفي مرضاً، ازدادت الأوضاع المعيشية مأساوية، ومعها ازداد القمع حتى طال الرفاق في قيادات الحزب الشيوعي ممن باتوا يتساءلون عن مدى نجاعة تلك الإجراءات التي زادت من آلام الناس.

وأضاف الشال: في عام 1976 توفي الزعيم "ماوتسي تونغ" بما نزع القدسية عن قيادة الحزب، وفشل متشددون ضمنه بقيادة أرملة الزعيم وثلاثة آخرين عن الاستمرار في حمل الإرث الأيديولوجي وفرضه حلاً للوضع المعيشي المأساوي وبحلول عام 1978، تسلم القيادة دينج شياو بينج وفريقه، وتم اعتقال من أطلق عليهم عصابة الأربعة بمن فيهم الأرملة المقدسة، واتخذ قرار جراحي كان بمثابة الكفر بمقدسات المدرسة "الماركسية"، فالضرورات تبيح المحظورات أو المحرمات، والقرار كان لا مركزية الاقتصاد.

Ad

وشدد الشال على أنه عندما اتخذت الصين قرارها ذلك، كان حجم الاقتصاد الصيني بالأسعار الثابتة وفقاً لبيانات "صندوق النقد الدولي" نحو 1316 دولارا أميركيا، ونصيب الفرد فيه نحو 1370 دولارا، وكان إنتاجها الزراعي عاجزا عن إطعام شعبها، يومها كان الاقتصاد الأميركي 5 أضعاف الاقتصاد الصيني، وعدد سكانها نحو ربع عدد سكان الصين.

سرعة القرار الجراحي

وأشار الشال الى أنه لم تكتف الإدارة الجديدة بالنظر إلى أوضاعها المأساوية الداخلية، وإنما شملت نظرتها كل ما يسمى حينها بالكتلة الشرقية، وأدركت أنها كتلة آيلة للسقوط، وأن العامل الحاسم في حركة الإصلاح هو سرعة القرار الجراحي ليؤتـي أفضـل ثمـاره. وبعـد سنة وبضع السنة من استدارة الصين، بدأت حركة "التضامن" في بولندا بثورتها الشعبية بقيادة "ليش فاليسا" وكانت أولى شرارات تداعي الكتلة، ولم يمض عقد بعدها حتى سقط حائط "برلين" وتفكك الاتحاد السوفييتي ومعه الاتحاد اليوغسلافي وحتى تشيكوسلوفاكيا، وبينهم كل ما عداهم، كلهم أخطأوأ توقيت قرار البدء بالإصلاح. حينها لم يكن يعوز الصين القوة العسكرية، ولا قوى الأمن الداخلي، والواقع أن كل الكتلة الشرقية كانت متفوقة في الاثنين، ما أسقطهم هو بؤس الوضع الاقتصادي وتداعياته السياسية والاجتماعية.

وقال انه في عام 2010، تخطى حجم الاقتصاد الصيني كلاً من اقتصادي ألمانيا واليابان ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومتوقع له أن يبلغ نحو 13.2 تريليون دولار أميركي في عام 2020 أو عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1978، و72% حجم الاقتصاد الأميركي، ثم يرتفع إلى نحو 18.5 تريليون دولار في عام 2025 وفقاً لتقديرات "صندوق النقد الدولي" أو نحو 89.8% حجم الاقتصاد الأميركي لنفس العام.

وبين "الشال" أنه إن استمرت معدلات النمو الحالية لكل من الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم والاقتصاد الصيني عند نفس المستوى، قد يفوق حجمه حجم الاقتصاد الأميركي في عام 2030، ليصبح أكبر اقتصادات العالم. "وبالحزام والطريق"، سوف تتفوق الصين بنفوذها على العالم على كل ما عداها بقوتها الاقتصادية الناعمة، فالصين استثمرت كل مواردها في البناء، ولم تخض حربا واحدة منذ نهوضها قبل 42 عاماً.

ولو حصرنا عناصر التفوق الصيني نجدها تتلخص في ثلاثة: الأول هو سرعة القرار الجراحي بعد دراسة واعية لتداعيات المستقبل، وهو توقيت تأخر لدى شركائها في الكتلة الشرقية، والثاني هو تغيير جوهري جراحي في الإدارة، والثالث كسر ما يعد من المقدسات في الفكر "الماركسي" أو تحرير الاقتصاد.

مقاربة

وأوضح "الشال" أنه لو قمنا بعمل مقاربة ما بين واقع الكتلة الشرقية في ذلك الزمن، وواقع دول النفط في وقتنا الحاضر، وعصر النفط في بدايات أفوله، نلحظ أهمية الاستدارة المبكرة أو توقيت القرار والذي قد يصنع الفارق أسوة بما آلت إليه الصين، وما آل إليه مستقبل شركائها، مع الجزم، بأن من يفشل في الاستدارة المبكرة من دول النفط، سوف يعاني من أوضاع أشد قسوة.

ومع اختلاف عوامل الحاضر ومآل الأوضاع في المستقبل عن دول الكتلة الشرقية، تمر معظم الدول النفطية بمنعطف تاريخي مصيري ليس بعيدا عن أوضاع الكتلة الشرقية في ثمانينيات القرن الفائت، فرياح النفط وهنت، وسفن دول النفط الشراعية التي عفى عليها الزمن لن تصل بها إلى مقاصدها.

وبين "الشال" أن سعر برميل النفط لسلة أوبك بلغ نحو 109.5 دولارات لمعدل سنة 2012، وإنتاجها لنفس العام بلغ 30.5 مليون برميل يومياً، وعليه بلغت إيراداتها النفطية حينها نحو 1200 مليار دولار أميركي. بينما بلغ معدل سعر برميلها نحو 40.5 دولارا ومستوى إنتاجها 25.6 مليون برميل يومياً، والتوقعات لإجمالي إيراداتها النفطية بحدود 323 مليار دولار للعام الجاري 2020 وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، أو نحو 27% من مستوى إيرادات عام 2012.

الاعتماد على النفط

وقال "الشال": صحيح أن السنوات القليلة القادمة سوف تحقق مستوى إيرادات نفطية أعلى، ولكن منتهى الطموح هو أن تستقر أسعار النفط عند 60 دولارا للبرميل، وسوف تشتد الضغوط بعدها لتهبط بالأسعار إلى ما دون هذا المعدل، وسوف تشتد التداعيات أيضاً بشكل متواز متناسبة طردياً مع ارتفاع اعتماد كل دولة نفطية على النفط، لذلك أصبحت سرعة قرار فك الارتباط بالنفط هي ما يفصل بين الدول النفطية الناجية وتلك الغارقة. وضمن جيران الكويت، ومن دون الخوض في عملية تقييم تجربة كل منهم، هناك دول بدأت مشروع الفكاك عن النفط، فالإمارات الأقل اعتمادا على النفط في تكوين اقتصادها وتمويل ماليتها العامة، تملك أكبر إماراتها، أو أبوظبي، صندوقا سياديا قريبا من حجم الصندوق النرويجي. وبالأمس أعلنت السعودية، توقعات هيكل إيراداتها العامة لتبلغ مساهمة الإيرادات غير النفطية نحو 46.5% من جملة إيرادات الموازنة العامة لعام 2020، بينما قطر الصغيرة، يفوق حجم اقتصادها بنحو 30% حجم الاقتصاد الكويتي، ولديها تعليم وخدمات صحية وبنى تحتية متفوقة.

وأكد "الشال" أن الصين كسرت مقدسات الفكر "الماركسي" في قرار استدارتها لأنها عرفت متى وفي أي اتجاه تنعطف عند مفترق الطرق الذي وجدت نفسها فيه، وعلى النقيض تماماً، عجز العراق العريق والثري عن كسر قدسية المحاصصة وبات على طريق الدولة الفاشلة، وعندما فشل رفاق الصين في الكتلة الشرقية، احتضنت غالبيتهم أوروبا الغربية، بينما لا تتوافر شبكة أمان لاحتضان الفاشل من دول النفط من أضرار السقوط الحر.

وقال "الشال" إن الكويت الجميلة، هي أكثر دول الجوار إدماناً على النفط، مازالت تتبنى إدارتها العامة استراتيجيتين متناقضتين، واحدة للفكاك التدريجي عن الاعتماد على النفط، والأخرى إلى مزيد من الاعتماد عليه. وإدارتها العامة عاجزة عن إطفاء حريق المالية العامة، فلا هي قادرة على خفض النفقات العامة، ولا هي قادرة على زيادة إيراداتها غير النفطية، ولا هي قادرة على الاقتراض لمواجهة عجزها المالي، لأن القناعة العامة، هي أن حكوماتها ليست أهلا للحصول على أموال الاقتراض.

الشراكة مع الصين

وأضاف "الشال": رحم الله ناصر صباح الأحمد، كان محقاً في اختيار الصين شريكاً في مشروع التنمية، فنهوضها السلمي وتحولها إلى قوة عظمى، سابقة غير مكررة في التاريخ المقروء، وكان محقاً في مشروع تنموي تنص مقدمته على ضرورة الفكاك التدريجي من التبعية للنفط، وكان محقاً عندما قدم بلاغاً حول فساد على أعلى المستويات وفقد منصبه، وكان محقاً في كسر قدسية إدارة الجينات والمحاصصة بالدعوة إلى إدارة محترفة لمشروع الشمال، وهو ما يفترض أن يعمم على كل إدارة البلد.

وانتهى "الشال" إلى انه نقيضاً لكل القواعد أو المرتكزات الصحيحة المذكورة، لم تقرأ الكويت أو لم تفهم خطورة المنعطف التاريخي الذي تمر به، ومع بداية عهد جديد، أكدت الكويت استمرار التفوق في عدد الفرص الضائعة، وأعادت تأكيد قدسية حكومات الجينات والمحاصصة، وحكومة عاجزة عن إطفاء حريق، من البديهي أن تكون عاجزة عن المضي في مشروع استدارة وبناء.