الدولة ونظام الحكم

Ad

كان دستور الكويت هو أول الدساتير العربية كافة الذي نص في ديباجته التي استهل بها صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم تصديقه على الدستور وإصداره أنه "رغبة في استكمال أسباب الحكم الديمقراطي".

وأكد على ذلك الدستور في الباب الأول من أبوابه الذي خصه بالدولة ونظام الحكم، عندما نص في مادته السادسة على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة، السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور".

ولعل الدستور الوحيد الذي انفرد في الباب الرابع الخاص بالسلطات بنص لا مقابل له في كثير من الدساتير، هو ما تنص عليه المادة (50) التي وردت في الأحكام العامة التي أفرد لها المبحث الأول من أنه "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور"، وليحدد لكل سلطة من السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية وظيفتها في هذه الأحكام.

ليفرد لصلاحيات رئيس الدولة الفصل الثاني من هذا الباب بالمادتين 54، 55، التي نأت أولاهما بالأمير عن أي مساءلة سياسية بالنص على أن "الأمير ذاته مصونة لا تمس"، كما أبعد عنه مسببات التبعة، وذلك بالنص في ثانيتهما على أن "رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه"، وهم المسؤولون عن الحكم أمامه (المادة 58) وأمام مجلس الأمة المادتان (101، 102).

إثراء للتجربة الديمقراطية

ولعل هذا الحراك المثار حول نتائج الانتخابات والطعون المثارة عليها، هو إثراء للحوار من اعتزاز الجميع بها، ترسيخا لحرية الرأي وحق التعبير عنه التي هي تاج الحكم الديمقراطي في الكويت، وذلك من خلال استخدام حق التقاضي، وهو الحق الدستوري الذي يستمده الناس كافة من المادة 166 من الدستور، ومن الرقابة القضائية التي تمارسها المحكمة الدستورية على هذه النتائج من خلال الدعوى الأصلية المباشرة، ومن خلال ما عهد به إليها قانون إنشائها من الفصل في الطعون الانتخابية.

وتظل غاية الجميع هي الحقيقة والمصلحة العليا للبلاد في إثراء هذه التجربة من خلال دستورية ومشروعية حق الاقتراع العام، لبلوغ حكم ديمقراطي سليم يعبر عن الإرادة الحرة للشعب الكويتي.

وفي هذا السياق نسوق الحقائق التالية حول حق الاقتراع:

الحقيقة الأولى: الديمقراطية

إن كلمة ديمقراطية، كما هو معلوم، مركبة من كلمتين باللغة اليونانية معناهما حكم الشعب، هذه الكلمة الساحرة، التي يتلفظ بها العديد من أنظمة الحكم في الدول النامية، وأكثرهم لا يقيم وزناً لأكثر من مدلولها اللفظي، هذه الكلمة الساحرة التي يبتذلها كثير من الحكام اللا ديمقراطيين، كما يبتذل الساحر ضروب السحر، ويرتجلون أنفسهم ديمقراطيين، أخرجتها الكويت من دائرة الابتذال المضروبة حولها، والمخنوقة بها، في هذا العالم الزاخر بالقيم والمقاييس، في تجربة ديمقراطية هي الأولى من نوعها في هذه المنطقة.

تجربة زاخرة بالحراك السياسي والدستوري، في كل شاردة أو واردة نتعلق بحق دستوري أو بصلاحيات السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب، أو بصلاحيات السلطة التنفيذية.

الحقيقة الثانية: حق الاقتراع العام... ركائزه الدستورية

ويستمد حق الاقتراع العام أساسه الدستوري من نصوص المواد (6) و(36) و(80) و(108) من الدستور، فيما وصفت به المادة (6) نظام الحكم بأنه ديمقراطي، وعهدت هذه المادة السيادة للأمة، وأضافت "وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور"، حيث تمارس الأمة سيادتها، من خلال حق الاقتراع العام، هو أحد الحقوق الدستورية التي ناضلت الشعوب للحصول عليه، بعد أن كان هذا الحق مقيداً في العصر الحديث بالحصول على قسط من العلم، أو قدر من الثروة، ويقصره على الذكور دون الإناث ويمارسه أفراد الأمة من الناخبين جميعاً، استخداما لحرية الرأي وحق التعبير عنه واللذين كفلتهما المادة (36) من الدستور لكل ناخب، ليمارس الناخب من خلالهما إدلاءه بصوته، لمن يراه جديرا بتمثيله، وتمثيل الأمة بأسرها إعمالا لأحكام المادة 108 من الدستور.

وهو ما عبر عنه القضاء الدستوري في أحكامه العديدة التي قررت: "أن حق الاقتراع والترشح محور السيادة الشعبية وقاعدة بنيانها". (2 لسنة 16 المحكمة الدستورة - مصر)، وأنه: "صورة من صور التعبير عن الرأي". (21 لسنة 8 المحكمة الدستورية– الكويت)، وأن إجراءات الانتخاب جميعاً، ليست مقصودة لذاتها بل "للوصول إلى نتيجة واحدة وهي تمكين الناخب من إبداء رأيه بحرية". (ق 77 لسنة 19 المحكمة الدستورية– مصر).

الحقيقة الثالثة: حق الاقتراع العام يعلو الدستور

لذلك فإن حق الاقتراع، وهو أحد الحقوق الدستورية، التي ناضلت الشعوب للحصول عليها، بعد أن كان مقيداً بقيد الحصول على قدر من التعليم أو ملكية الفرد لحد أدنى من الثروة، وهو باعتباره تجسيداً للمبدأ القاضي بأن الأمة مصدر السلطات جميعاً، فهو محور الإرادة الشعبية التي تمارس الأمة من خلاله سيادتها، كما أن حق الاقتراع العام هو صورة من صور التعبير عن حرية الرأي من خلال استخدام الناخب لهذا الحق في التعبير عن رأيه في اختيار من يمثله.

الأمر الذي يرقى للدستور بهذا الحق إلى أن يكون من المبادئ التي حصنتها المادة (175) من الدستور التي نصت على أن "مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها إلا لمزيد من ضماناتها"، فإن حق الاقتراع العام باعتباره تعبيراً عن حرية الرأي، وحق التعبير عنه، يعلو كل الحقوق الدستورية الأخرى.

وترتيباً على ذلك استطاعت دولة الكويت بالممارسة السليمة لحق الاقتراع العام تحت إشراف قضائي نزيه ودون تدخل السلطة التنفيذية أن تخرج الديمقراطية هذه الكلمة الساحرة من دائرة الابتذال المخنوقة بها في المنطقة.

المستشار شفيق إمام