هناك أشخاص لهم حسابات شخصية على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى الأخص "تويتر-Twitter"، و"فيسبوك-Facebook"، وهم يرتبطون بـ"علاقة ما" مع ناشرين في مختلف أقطار الوطن العربي، وقد تخصص هؤلاء بتقديم فكرة وجيزة عن الإصدارات الجديدة، سواء كانت باللغة العربية، أو إصدارات مُترجَمة. وكأي متصفح تمرُّ أمامي أفكارهم بتقديم الكتب، وتلفت نظري الدعاية المبالغ فيها لمحتوى الكتب.

وصادف خلال الأسبوعين الماضيين، أن اخترت كتاباً/رواية قام أحدهم بالكتابة عنها، وعرض غلافها، وقدَّمها كأقرب ما تكون إلى رواية العصر، وأنها إنجاز روائي عربي شبابي غير مسبوق.

Ad

وعن طريق موقع شراء إلكتروني قُمت بطلب الرواية، وشيء من حماس يقودني لقراءتها وعيش عوالمها، وكم كانت خيبتي كبيرة حين تسلَّمتها، ورحت أقلِّب صفحاتها، وأنتقل من مشهد لآخر. ولحظتها وقفت أمام عدة احتمالات تفسِّر خيبتي الكبيرة: فإما أن يكون الرجل صاحب الحساب موظفاً يعمل بأجر عند الناشر، وتقوم وظيفته على تلميع الإصدارات الجديدة بعبارات فخمة، بحيث تلفت نظر القارئ، ويسعى لاقتنائها، وبالتالي فالرجل، وبعيداً عن اسمه ووعيه الأدبي والنقدي وقناعته الشخصية، يكتب مدفوعاً، لتحصيل لقمة عيشه، فضلاً عن محتوى الكتاب الذي يتحدث عنه. وإما أن يكون الرجل بوعي أدبي ضعيف، وبالتالي يرى في الأعور مفتّحاً، ويكتب عمَّا يكتب بقناعة تامة. وأخيراً، لابدَّ من الاعتراف بأن ذائقة القراءة تختلف من شخص لآخر، ففي حين يرى بعضٌ أن كتاباً ما رائع وجد مشوِّق، يفحص بعضٌ آخر الكتاب نفسه بعين عارفة، ليروا أنه أبعد ما يكون عن تحقق العناصر الفنية اللازمة لأي جنس أدبي.

لقد غدت الساحة الثقافية العربية تعج بإصدارات يومية متدفقة يصعب حصرها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، ولأي مخلص للأدب، أن يستطيع متابعتها وقراءة محتواها. لذا، فقد باتت الساحة الثقافية العربية أحوج ما تكون لمعيار نقدي محايد ونزيه، وقبل هذا وذاك له مصداقيته النقدية، ويكون محل احترام وتقدير، بحيث تكون قراءات هذا المعيار، وهنا لا أتكلم عن شخصٍ، بل عن مؤسسة، أو مجموعة قراءة، أو نادٍ، أو جمعية، بحيث تكون مطالعتهم للإصدار الجديد موضوعية، وبعيدة عن التهويل، لا سلباً ولا إيجاباً، وبالتالي تقدم صورة أقرب ما تكون للصدق الفني، الذي يساعد القارئ على اقتناء الكتاب الذي يحب، وفي مختلف الأجناس الأدبية: الشعر، والرواية، والقصة القصيرة، والمسرح.

إن موقعاً متقدماً، مثل موقع "Goodreads"، الذي يقدِّم آراء القراء الشخصية البحتة، بقناعاتهم تجاه أي كتاب، وبتقييماتهم، التي تتراوح بين نجمة أو خمس نجوم، إنما يقدِّم خليطاً من آراء شخصية، وهو بذا يكون بعيداً عن المصداقية والموضوعية النقدية المتوخاة، ويبقى ضمن الحُكم الشخصي!

إن نظرة فاحصة للنشر العربي، رغم شكوى الناشرين الدائمة، يمرُّ بفترة جيدة ومليئة بإصدارات يومية متنوعة، لذا أتمنى أن تنبري مؤسسة ما، رسمية كانت أو أهلية، أو حتى مجموعة أفراد، إلى تكوين فريق عمل، وليس بالضرورة من البلد نفسه، فريق عمل متخصص ومشهود له بالكفاءة الأدبية والنقدية، ليكون معياراً عربياً للمستوى الإبداعي لأي إصدار عربي، بعيداً عن الشخصانية، وبعيداً عن الشللية، وبعيداً عن "شيّلني وأشيّلك"، وليحمل هذا التجمُّع، على سبيل المثال، عنواناً عريضاً بـ"عين"، أو "رأي"، أو "قراءات"، أو "كتاب جديد"، أو أي عنوان آخر. مع ضرورة التنبيه، إلى أن هذه المجموعة أو الفريق يجب ألا يعطي نفسه الهالة والمكانة، بإصدار أحكام قيمة على أي كاتب أو كتاب، بقدر ما يكون وصلاً محترماً ومحبباً بين الكتاب والكاتب والقارئ!

إن تراكم القراءات لهكذا فريق، ومع مرور الزمن، قادر على إعطاء مصداقية له، وبما يجعل منه جهة يثق القارئ برأيها، وقد

تشكِّل معياراً قرائياً أحوج ما نكون إليه في وقتنا الحاضر، حيث تتطاير من حولنا الإصدارات الأدبية ليل نهار، ولسان كل منها يقول، وفق المثل الكويتي "الزود عندي!".

● طالب الرفاعي