توفي الكاتب والمحلل النفسي السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أيه» جيرولد بوست عن 86 عاماً، نتيجة مضاعفات مرتبطة بفيروس «كورونا» أواخر شهر نوفمبر الماضي.

وكانت إحدى مهام بوست سبر أغوار عقول قادة العالم، من أمثال الرئيس العراقي المقبور صدام حسين والزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم جونغ إيل، لكنه خلال سنواته الأخيرة صوب تركيزه نحو بلاده، وألف كتاباً عن عقلية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

Ad

وأشاد بعمله الأشخاص الذين عرفوه عن كثب، فوصفه ماغنوس رانستورب المستشار الخاص لشبكة الاتحاد الأوروبي للتوعية بالتطرف بأنه «لطيف للغاية وحنون وذو ذهن حاد».

وقال صديقه الطبيب النفسي كينيث ديكليفا إن بوست كان «عملاقاً في مجال تحليل القيادة ورائداً في وكالة الاستخبارات المركزية».

كما قالت جيسيكا كيس، وهي ناشرة لدى مؤسسة بيغاسوس بوك للنشر وعملت معه على إعداد كتابه الأخير عن الرئيس ترامب، لبي بي سي «معرفته ورؤيته لعلم النفس لا مثيل لهما، كان لديه شغف لا نهائي».

عقول زعماء

درس بوست - المولود عام 1934 في نيو هيفن- في جامعة يل حيث درس دراسته الجامعية الأولية، قبل أن يتجه إلى كلية الطب، ثم حصل بعد تخرجه على تدريب في الطب النفسي في كلية هارفرد للطب والمعهد الوطني للصحة النفسية، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.

عمل بوست لأكثر من 20 عاماً في وكالة المخابرات الأميركية المركزية «سي آي أيه»، وأسس وحدة تحليل الشخصية والسلوك السياسي بالوكالة في أوائل السبعينيات.

وقد قال في خطاب في جامعة يل «نظرنا إلى القادة الأجانب في سياقهم الثقافي والسياسي، وقسنا إلى أي درجة كانوا يعبرون عن صراعات شخصية على الساحة الدولية».

وحللت الوحدة زعماء أجانب من أمثال الكوبي فيدل كاسترو والعراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي، ومكنت هذه التحليلات الرؤساء والمسؤولين رفيعي المستوى من الإعداد للمفاوضات ومواقف الأزمات.

وكتب بوست «لمحات عن شخصيات كامب ديفيد» شملت الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغين، ويعتقد أنها أثرت بشكل كبير في استراتيجية الرئيس الأسبق جيمي كارتر في المفاوضات التي عقدت في كامب ديفيد، المنتجع الرئاسي الأمريكي بولاية مريلاند عام 1978.

وقد قادت المعاهدات التالية التي وقعها الزعيمان إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

وفي كتابه «Keeping Faith - الوفاء بالوعد» كتب بوست قائلاً «بعد كامب ديفيد، نادراً ما كانت تعقد قمة كبيرة من دون أن يُطلب منا إعداد لمحات شخصية وتحليلات للزعماء الأجانب».

ومُنح بوست وسام الاستحقاق الاستخباري عام 1979.

ثم تولى بعد ذلك منصب مدير برنامج التحليل النفسي السياسي في كلية إليوت للشؤون الخارجية بجامعة جورج واشنطن.

غير أن مسؤولي الحكومة الأميركية طلبوا من بوست فيما بعد المساعدة في توجيه قراراتهم المتعلقة بالعراق وصدام حسين.

وقال بوست لـ «بي بي سي» عام 2002 إن صدام حسين عاني من «نشأة مؤلمة»، إذ فر من منزل والده الذي رفض تعليمه، وذهب ليعيش مع خاله الذي «ملأه بأحلام المجد».

وأضاف بوست أن زراعة هذا الخيال الضخم داخله حولته إلى «نرجسي خبيث».

تحليل الرئيس الأمريكي

ألف بوست 14 كتاباً في موضوعات عدة، ترواحت ما بين عقول الإرهابيين إلى الزيادة الحاصلة في أعداد السياسيين ذوي الشخصيات النرجسية.

وقوبل ببعض الانتقادات خلال مسيرته المهنية لمخالفته القاعدة الذهبية للجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، والتي تمنع الأطباء النفسيين من التعليق على الصحة العقلية للشخصيات العامة أو تشخصيها، من دون فحصهم والحصول على موافقتهم، لكن بوست قال إنه من غير الأخلاقي التزام الصمت في بعض الأحيان.

وقال بوست لصحيفة «نيويوركر» عام 2017 «أعتقد أن علينا واجب التحذير»، وأضاف قائلاً «أثيرت تساؤلات جدية بشأن مزاج وملائمة الشخص الذي ينبغي علينا ألا نذكر اسمه»، في إشارة إلى الرئيس ترمب.

كواليس كامب ديفيد

وفي عام 2019، ذهب بوست بفكرته إلى أبعد من ذلك، وشارك ستيفاني دوسيت في تأليف كتاب بعنوان «كاريزما خطرة: التحليل النفسي السياسي لدونالد ترامب وأتباعه».

وفي لقاء مع موقع صالون الإخباري قبيل نشر كتابه، توقع بوست التصرفات التي قام بها ترامب بعد انتخابات 2020.

إذ قال «إذا نجح ترمب مثلما حدث عام 2016، فسيجعله انتصاراً أكبر ويتحدث عن التزوير الانتخابي من جانب الديمقراطيين، أما إذا خسر بفارق ضئيل، أعتقد أنه لن يتنازل مبكراً».

وأضاف «قد لا يعترف ترمب حتى بشرعية الانتخابات».

وفي أعقاب نشر كتابه، بدأت صحة بوست في التدهور وأصيب بجلطة في شهر يوليو.

وأمضى الأسابيع الأخيرة من عمره في بيته وتوفي في 22 نوفمبر بعد أسبوع من تأكيد إصابته بفيروس «كورونا».