آثرت أن أرجئ الحديث عن حق الناخب المريض بكورونا في المشاركة في الانتخابات الأخيرة، بعد أن حسم مجلس الوزراء الأمر بالسماح لمرضى كورونا بالاقتراع، وقد احتاطت الدولة للأمر كله بتخصيص لجان لإدلاء المصابين بهذا المرض، بأصواتهم فيها.

أما وقد انتهت هذه الانتخابات فقد بات البحث في هذا الأمر واجبا وضروريا، لتفهم ما انتهى إليه البعض من أن حق الاقتراع العام هو حق مطلق، لا يقيد إلا بنص في الدستور، على زعم خلو الدستور من نص يقيد هذا الحق.

Ad

وهو الرأي الذي تدحضه الحقائق الدستورية التالية:

الحقيقة الأولى: حق الاعتقاد المطلق الوحيد

فحرية الاعتقاد وحدها هي التي وصفها الدستور في المادة (35) بأنها مطلقة، مبرراً ذلك في مذكرته التفسيرية لأنها ما دامت في نطاق الاعتقاد، أي "السرائر" فأمرها الى الله، فإذا جاوز الأمر نطاق السرائر وظهر في صورة شعائر"، فإن المادة (35) من الدستور تنص على أن "تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب"، أما باقي الحقوق الدستورية الأخرى، فهي تمارس وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون (حق التعبير عن الرأي مادة 36)، و(حرية الصحافة والطباعة والنشر، مادة 38)، و(حرية تكوين الجمعيات والنقابات– مادة 43)، و(الاجتماعات العامة والتجمعات مباحة، وحق التعليم للكويتيين وفقا للقانون وفي حدود النظام العام والآداب، والتعليم إلزامي مجاني في مراحله الأولى وفقا للقانون مادة 40).

وهو النهج ذاته الذي انتهجه الدستور بالنسبة الى حق الاقتراع العام، حيث نصت المادة (80) من الدستور على أن "يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريقة الانتخاب العام السري المباشر، وفقاً للأحكام التي يبينها القانون"، وهو ما أكده الدستور ذاته في نص المادة (82) فيما تطلبته في عضو مجلس الأمة من شروط، من بينها أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب، بما ينفي ويدحض تماما فكرة حق الاقتراع المطلق، فلهذا الحق شروط يجب أن تتوافر في من يمارسه ناخباً أو عضواً بمجلس الأمة.

الحقيقة الثانية: تنظيم القانون لحق الانتخاب

وقد صدر القانون رقم 35 لسنة 1962 في شأن انتخاب أعضاء مجلس الأمة إعمالا لأحكام المادة (82) من الدستور سالفة الذكر، ومعلوم أن المادة (1) من هذا القانون، كانت تقصر حق الانتخاب على الذكور وحدهم، وقد جرى تعديل أحكام هذه المادة بمنح المرأة حقوقها السياسية كاملة، كما تقصر هذه المادة حق الانتخاب على من مضى على تجنيسه مدة زمنية معينة، كما تنص المادة (2) على حرمان من أدين في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة من حق الانتخاب، كما تنص المادة (3) على وقف استعمال حق الانتخاب بالنسبة إلى رجال القوات المسلحة والشرطة.

فلا يستعصي على المشرع في هذا القانون أو غيره من القوانين التي تنظم مسألة يترتب عليها وقف استعمال حق الانتخاب، وفي هذا السياق نصت (15) من القانون رقم 68 لسنة 1969 بالاحتياطات الصحية والوقاية من الأمراض، على تخويل وزير الصحة عند ظهور وباء الجدري أو الكوليرا أو الطاعون أو أي مرض وبائي آخر، عزل المناطق التي تظهر فيها حالات مرضية، وعدم السماح بالدخول إليها أو الخروج منها بأية وسيلة كانت إلا لمن يرخص له بذلك، كما أباحت لأطباء وزارة الصحة العامة ومعاونيهم دخول المساكن في أي وقت للبحث عن المرضى وعزلهم.

ووفقا للقرارات التي أصدرها وزير الصحة- إعمالا لأحكام هذه المادة- بعزل المصابين بمرض كورونا، فإن هذه القرارات تستتبع حتما وبالضرورة وقف استعمالهم لحق الانتخاب، دون وجه للحجاج بأن حق الاقتراع حق مطلق، وقد أثبتنا فساد الاستدلال بذلك فيما تقدم.

وتؤثم المادة (17) من هذا القانون، كل مخالفة لأحكامه أو للقرارات المنفذة له بعقوبات تصل إلى عقوبة الحبس، والتي يمكن أن تصل أيضاً إلى عشر سنوات لمن تسبب عمدا في نقل العدوى إلى شخص آخر، مع علمه بإصابته.