شيعت إيران أمس، العالم النووي العسكري الإيراني محسن فخري زاده الذي اغتيل يوم الجمعة الماضي بعملية أمنية معقدة اتهمت طهران إسرائيل بالوقوف وراءها بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

ونقل جثمان فخري زاده الذي وصفه البعض بأنه "أبو البرنامج النووي العسكري" الإيراني إلى مدينة مشهد الإيرانية، للطواف والصلاة عليه في حرم مقام الإمام علي الرضا، ثامن الأئمة المعصومين لدى الشيعة.

Ad

وفي وقت لاحق نقل الجثمان إلى مرقد السيدة فاطمة المعصومة في مدينة قم جنوب طهران، على أن تكون محطته الأخيرة مرقد الإمام الخميني في العاصمة الإيرانية حيث سيدفن اليوم.

يخدم الدبلوماسية

ورأى محللون أن اغتيال فخري زاده، رئيس مركز الأبحاث والتكنولوجيا والابتكار لدى وزارة الدفاع الإيرانية، يقدّم ورقة ضغط للإدارة الأميركية المقبلة يمكن الاستفادة منها في أي مفاوضات محتملة مع طهران.

وقال مدير "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" مارك دوبويتز "لا يزال هناك نحو شهرين قبل تولي جو بايدن السلطة"، ما يعني برأيه أن لدى "الولايات المتحدة وإسرائيل الكثير من الوقت لإلحاق أضرار شديدة بالنظام في إيران وتوفير أوراق ضغط لإدارة بايدن".

من ناحيتها، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً للكاتب ماكس بوت اعتبر فيها أن اغتيال فخري زاده، لن ينهي البرنامج النووي الإيراني، لكنه قد يزيد احتمالية توصل طهران إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية الجديدة.

ويلفت المقال الى التكهنات بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر بالعملية لتخريب محاولات إدارة بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي، لكنه يلفت إلى أن جولة سابقة من عمليات قتل العلماء النوويين الإيرانيين جرت بين عامي 2010 و2012 وقتل فيها أربعة من العلماء ساعدت في جعل الحل الدبلوماسي أكثر احتمالاً. ويقول أن عمليات القتل تلك، إلى جانب نظام عقوبات دولي قوي وهجمات إلكترونية أميركية ــ إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، أديا إلى زيادة الضغط على إيران وأنتجت اختراقاً دبلوماسياً لإدارة أوباما في عام 2015 تمثل في الاتفاق النووي.

لكن بالنسبة لبعض المحللين الأميركيين الآخرين، كان قتل فخري زاده عملية خطيرة تقوّض رغبة بايدن المعلنة في عرض "مسار موثوق للعودة إلى الديمقراطية" على الإيرانيين، في خطوة باتّجاه إعادة الولايات المتحدة الانضمام إلى الاتفاق النووي.

وفي تغريدة الجمعة، وصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) الأسبق جون برينان قتل العالم الإيراني بـ"العمل الإجرامي والمتهوّر بدرجة كبيرة"، قائلاً، إنه يحمل خطر إطلاق "أعمال انتقامية قاتلة وجولة جديدة من النزاع في المنطقة".

وفي حين تعكف دوائر القرار في طهران على دراسة كيفية الرد على اغتيال فخري زاده في عملية أمنية وجهت صفعة قوية للأجهزة الأمنية الإيرانية عقد مجلس الشورى (البرلمان) أمس جلسة مغلقة حضرها وزير الاستخبارات محمود علوي لبحث "التحقيق في الاغتيال".

ودعا رئيس المجلس محمد باقر قاليباف عبر التلفزيون الرسمي، إلى "رد فعل قوي" يساهم في "الردع والانتقام" من الضالعين فيه، وأشار إلى أن "رفع اليد في إشارة لاستعدادنا للتفاوض، قد تُفسر على أنها مؤشر ضعف، وهذه رسالة خاطئة.

وأضاف قاليباف قائلاً، إن الضغط الخارجي على إيران سيقل فقط عبر اتخاذ خطوات "شجاعة ومؤثرة" من شأنها دفع من وصفهم بـ"الأعداء" للحذر.

من ناحيته، علق المتحدث باسم البرلمان الإيراني، حسين سليمي، حول اجتماع البرلمان المغلق، وأكد أن البرلمان لا يشعر بالتفاؤل والارتياح، إزاء عمليات تفتيش منشآت إيران النووية من قبل وكالة الطاقة الذرية وفق الاتفاق النووي.

وأشار إلى أن إيران "تشك في نزاهة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، متهماً المفتشين بأنهم "مصدر الكثير من الأحداث المريرة، واغتيال العلماء النوويين في إيران".

كما أكد بيان للبرلمان الإيراني أن "أيادي إسرائيل تقف بوضوح وراء اغتيال العالم فخري زادة، وستدفع الثمن على النحو المطلوب".

9 بنود

ووافق النواب على التصويت غداً على مشروع قرار من 9 بنود يقلل التزام إيران بالقيود النووية أطلق عليه اسم "مشروع قانون الإجراءات الاستراتيجية لرفع العقوبات"، والبنود هي.

1 - في مهلة لا تزيد على شهرين بعد إقرار هذا القانون، يجب على منظمة الطاقة الذرية الإيرانية البدء بإنتاج على الأقل 120 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة سنوياً.

2 – يجب على منظمة الطاقة الذرية بمجرد إقرار هذا القانون أن تقوم بتخصيب اليورانيوم الذي تحتاجه البلاد لبرنامجها السلمي بنسبة 500 كلغ شهرياً بهدف الوصول إلى 190 ألف سعة حرارية نووية.

3 – خلال ثلاثة أشهر من إقرار القانون ولتنفيذ البند الثاني من هذا القانون يجب على منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن تقوم بتركيب على الأقل 1000 جهاز من أجهزة الطرد المركزي حديثة من نوع IR2 في نطنز و134 جهاز IR6 في فردو.

4 – يفرض على منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بالقيام بإنتاج قضبان ألومينيوم اليورانيوم المعدني في منشآت أصفهان خلال مدة لا تزيد عن خمسة أشهر.

5 – يفرض على منظمة الطاقة إعادة إحياء معمل أراك لإنتاج الماء الثقيل خلال أربعة أشهر وتقديم تقرير شهري عن مشروعها لإعادة إحياء هذا المعمل كي ينتج ما يزيد على 40 مغاوات ماء ثقيل وراديو ايزوتوبات الحرارية تحتاجها مستشفيات البلاد.

6 – يفرض على الحكومة الإيرانية ووفقاً للمادتين 36 و37 من الاتفاق النووي وقف تنفيذ جميع تعهداتها وفقاً للبروتوكول الإضافي خلال مدة لا تزيد على شهرين وتمنع مفتشي المنظمة الدولية للطاقة الذرية من القيام بأي عمل خارج إطار تعهدات إيران وفقاً لبروتوکل منع انتشار الاسلحة النووية NPT.

7 – يفرض على الحكومة الإيرانية تقديم تقرير مفصل عن الخطوات المتقابلة التي تقوم بها الجهات الأوروبية في مجال رفع العقوبات خلال ثلاثة أشهر من إقرار هذا القانون وإذا ما لم ترفع العقوبات المصرفية ولم يسمح لإيران ببيع نفطها فإن الحكومة ملزمة بوقف جميع خطوات تعاونها الطوعي مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية. وإذا ما قامت الجهات المقابلة بتنفيذ تعهداتها يمكن للحكومة تقديم مشروع قرار للمجلس يقضي ببدء عودة إيران للاتفاق النووي بشكل تدريجي.

8 – كلما قام أعضاء الـ 1+4 برفع العقوبات النووية، وحقوق الإنسان، والعسكرية و... فإن الحكومة الإيرانية ملزمة بتقديم تقرير للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإسلامي وبعد دراسة خطوة الطرف المقبل في هذه اللجنة يتم تقديم تقرير لمجلس الشورى لإقرار قانون يسمح للحكومة بتنفيذ تعهداتها المتقابلة في الاتفاق النووي.

9 – كل شخص أو مسؤول لا يقوم بتنفيذ هذا القانون أو يتعلل في تنفيذه يحكم عليه وفقاً للمواد 2 الى 7 للقوانين الجزائية الإيرانية (السجن والانفصال عن العمل الحكومي).

بريطانيا وإسرائيل

ووسط دعوات دولية وأوروبية لضبط النفس، أعرب وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، عن قلقه إزاء ما يجري في إيران والمنطقة ككل بعد اغتيال فخري زاده.

وقال: "نحن قلقون إزاء الوضع في إيران والمنطقة عامة، لا نريد أن نرى تصعيداً للتوترات"، حسب قوله.

وأضاف وزير الخارجية البريطاني قائلاً: "لا نزال ننتظر الاطلاع على الحقائق الكاملة حول ما جرى في إيران، لكنني أود أن أقول إننا نحتكم للقانون الإنساني الدولي، والواضح جداً في موقفه ضد استهداف المدنيين".

وانضم وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسيعيدي إلى قطر وتركيا في تعزية طهران وإدانة العملية، بينما ألمح الجنرال أهارون زئيفي فركش رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، إلى دور لبلاده في اغتيال العالم النووي فين حين قال الوزير الإسرائيلي تساحي هنغبي إنه "ليس لديه فكرة" من اغتال فخري زاده، لكنه وصف ذلك بأنه "محرج جداً لإيران".

ورغم أن الجيش الإسرائيلي لم يعلن عن اجراءات تأهب جديدة شمالاً إلا أنه كان بالأساس في حالة استنفار بعد أسبوع طويل من عمليات القصف في سورية. ومساء أمس الأول ظهرت جاهزية الجيش الإسرائيلي على أعلى مستوى بعد أن حاول سودانيان التسلل عبر الحدود اللبنانية الى إسرائيل الأمر الذي أدى إلى تحركات عسكرية فورية واسعة.