لا تزال إيران تحت وقع الصدمة، بعد اغتيال كبير علمائها النوويين العسكريين محسن فخري زاده، قبل أيام من الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، أبرز قادتها العسكريين.

وجاءت العملية التي وصفت بأنها اخترق أمني كبير ومهين، رغم حالة التأهب التي كانت تعيشها طهران منذ انتهاء الانتخابات الأميركية، تحسباً لأي عملية عسكرية قد يقوم بها الرئيس دونالد ترامب أو إسرائيل، قبل تسلُّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الذي وعد بالانفتاح على طهران، السلطة في 20 يناير.

Ad

وكما درجت العادة عند كل عملية من هذا النوع، تقاسمت أطراف النظام الإيراني الأدوار، فقد دعا الوسطيون، وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني، إلى عدم الوقوع بفخ الأعداء والانجرار إلى أعمال انفعالية، في حين تولى جنرالات الجيش و«الحرس الثوري» ترديد التهديدات عالية السقف، على غرار قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآني الذي قال إن الاغتيال يقرب نهاية إسرائيل.

وبينما طالب المتشددون بردّ قوي وسريع يعيد هيبة النظام، تولى المرشد الأعلى علي خامنئي «دوزنة» المواقف، مؤكداً أن الانتقام لابد أن يأتي، لكنه دعا في الوقت نفسه إلى مواصلة العمل الذي كان يقوم به فخري زاده، مشدداً على أن الأخير نال «مكافأة الشهادة من الله».

وفي محاولة للإمساك بزمام الأمور من الحكومة، توعّد وزير الاستخبارات محمود علوي بقيام وزارته بالانتقام، علماً أنه لم يصدر تصريحاً كهذا بعد مقتل سليماني.

وبحسب مصادر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، يبدو أن «الحرس الثوري» تجاهل تعهُّد الحكومة، وطلب من المرشد الأعلى، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، السماح له بالتخطيط والقيام بعملية انتقام.

وقالت هذه المصادر، لـ«الجريدة»، إن «الحرس الثوري» وضع لائحة أهداف محتملة تضم 5 مواقع و10 شخصيات إسرائيلية علمية وعسكرية كبيرة كأهداف محتملة للانتقام، مضيفة أن القيادة مصدومة ومتفاجئة بالعملية، ولا تزال تدرس خياراتها.

وبحسب المصادر فإن الأسئلة المطروحة الآن هي ما إذا كانت طهران سترد قبل انتهاء ولاية ترامب أم بعدها؟ وهل سترد من خلال وكلائها في المنطقة، عبر تفجير ساحة أخرى مثل جنوب سورية أو جنوب لبنان أو العراق، أم تدفع حلفاءها اليمنيين إلى التصعيد ضد السعودية، وهو ما كانوا يقومون به منذ أيام؟

ووفق أحد المصادر، فإن أي ردّ إيراني سيأخذ بعين الاعتبار ثلاثة معايير، أولاً: ألا يكبد النظام خسائر أكبر، وثانياً: ألا يتسبب بحرب إقليمية شاملة، وثالثاً: أن يحفظ ماء وجه النظام، كما جرى عقب اغتيال سليماني عندما تحدث الإيرانيون عن «أول قصف تتعرض له قاعدة أميركية من جيش نظامي منذ عشرات السنوات».

في المقابل، أعلنت إسرائيل حالة تأهب في كل سفاراتها حول العالم، وواصل الجيش الإسرائيلي تعزيزاته على الجبهة الشمالية، بعد أن وجه المسؤولون الإيرانيون اتهامات مباشرة لإسرائيل.

على مستوى آخر، حركت وزارة الدفاع الأميركية حاملة الطائرات «يو إس إس نيمتز» «USS Nimitz»، لتعود إلى منطقة الخليج مع سفن حربية أخرى، بينما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول رفيع أن ترامب أبلغ مستشاريه بأنه مستعد لإصدار أوامر بردٍّ مدمر إذا قُتل أي أميركي في هجمات منسوبة إلى إيران، خصوصاً بالعراق.

وفي خطوة تظهر مدى الارتباك الداخلي، تبادلت الأجهزة الإيرانية الاتهامات حول الخرق. وكتب محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، في رسالة إلى روحاني، أن «استمرار مثل هذه الأعمال يشير إلى ضعف أجهزة المخابرات في البلاد»، مطالباً بإيجاد حل لمثل هذا الضعف.

وفي حين وجّه القائد السابق في «الحرس الثوري» حسين علائي، انتقادات للخرق الأمني الفاضح، تظاهر العشرات أمام وزارة الخارجية الإيرانية في طهران مطالبين باستقالة الوزير محمد جواد ظريف ووقف التعاون مع وكالة الطاقة الذرية، التي يتهمونها بتمرير معلومات لواشنطن أو تل أبيب.

في المقابل، يقول أنصار الحكومة إن التقصير سببه انشغال «الحرس الثوري» بالملفات السياسية بالمنطقة، والتي «يصادرها» من وزارة الخارجية بدل الاهتمام بأمن النظام.

إلى ذلك، أشارت التقديرات الأولية للأجهزة الإيرانية إلى أن عملية اغتيال فخري زاده معقدة، ولا يمكن إلا أن تكون أجهزة استخبارات تابعة لدول وراءها، بغض النظر عن المنفذين.

وعلى الرغم من أن منصب فخري زاده الرسمي كان مدير قسم في وزارة الدفاع، فإن مرتبته حسب بعض المحللين الإيرانيين لا تقل عن مرتبة وزير، وكانت مهمة حمايته موكلة إلى «فيلق الأنصار» التابع «للحرس الثوري»، الذي يتولى مهمة حماية كبار الشخصيات على مستوى وزراء وقادة عسكريين.

وفخري زاده لم يكن شخصية علمية كبيرة، لكنه عملياً كان الرابط والمنسق والمدير العملي لبرنامج إيران النووي العسكري، وكان يدير مركزاً للدراسات التكنولوجية في وزارة الدفاع ومهمته مزج الإمكانات العلمية العسكرية بعضها ببعض، والاستفادة منها بالتوازي، خصوصاً استخدام القدرات النووية في المجالات العسكرية.

ومن المعروف أن اسم زاده برز بعد انتشار وثائق قام الإسرائيليون بسرقتها من منشآت تورقوز آباد قرب طهران، مع جهاز كمبيوتر لأحد العلماء النوويين الإيرانيين «عام 2004»، وتبين أنه كان يعمل سراً على إنتاج القنبلة النووية، والتقى لهذا الغرض مع عبدالقدير خان، الذي يوصف بأنه «أبو القنبلة النووية الباكستانية».