تختلف الروايات حول حقيقة الدور الذي لعبه محسن فخري زاده مهابادي في الملف النووي الإيراني، بين من يصفه بأنه أبو القنبلة النووية الإيرانية المحتملة، وبين من يعتبر أن التقارير الغربية جعلت منه أسطورة.

وبحسب تقارير غربية، ولد فخري زاده عام 1958 في مدينة قم، وانضم إلى «الحرس الثوري» بعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، وقيل إنه احتفظ برتبة رفيعة في الحرس الثوري حتى عندما أصبح عالماً.

Ad

وقد عمل محاضرا للفيزياء في جامعة الإمام الحسين في طهران. وكان يعد أشهر عالم نووي إيراني، لكنه حرص على الابتعاد عن الأضواء.

ولطالما تحدثت عنه مصادر أمنية غربية على أنه يتمتع بنفوذ كبير ودور أساسي في برنامج إيران النووي. وحدد تقرير بارز للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في عام 2011 فخري زاده باعتباره شخصية محورية في البرنامج الإيراني السري لتطوير التكنولوجيا والمهارات اللازمة لصنع القنابل الذرية.

وأشار التقرير إلى أنه ربما كان لا يزال في ذلك الوقت يلعب دورا في مثل ذلك النشاط. وقد دعاه مفتشو الوكالة مرارا للحديث عن دوره، وهو الأمر الذي دأب على تجنّبه.

وتظهر سجلات الأمم المتحدة أنه كان من بين 8 إيرانيين خضعوا لقيود السفر والقيود المالية الدولية بموجب قرار للأمم المتحدة تم تبنيه في عام 2007 بسبب صلاته بأبحاث «الأسلحة النووية أو البالستية». ووفقا لوثائق سرية حصلت عليها إسرائيل في عام 2018، أشرف زاده على برنامج لإنتاج أسلحة نووية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إن زاده هو كبير العلماء في البرنامج، وحثّ الناس على «تذكّر هذا الاسم».

وفي عام 2018، كشف نتنياهو عما وصف بأنه أرشيف إيران النووي السري. وفي عام 2015، قارنته صحيفة «نيويورك تايمز» بالفيزيائي الذي أدار مشروع مانهاتن، روبرت أوبنهايمر، والذي أنتج خلال الحرب العالمية الثانية أول أسلحة ذرية.

لكن مصادر ايرانية قالت لـ «الجريدة» إن زاده لم يكن شخصية علمية كبيرة كما يتم تصويره، لكنه عملياً كان الرابط والمنسق والمدير العملي لبرنامج إيران النووي العسكري، وكان أخيراً يدير مركزا للدراسات التكنولوجية في وزارة الدفاع مهمته مزج الامكانات العلمية العسكرية ببعضها البعض والاستفادة منها بالتوازي.

بما يعني مثلا استخدام القدرات النووية في المجالات العسكرية، مثل انتاج محركات نووية للغواصات والسفن وحتى الصواريخ البالستية العسكرية أو مزج تكنولوجيا النانو لصناعة أجهزة تجسس صغيرة الحجم أو تطوير طائرات من دون طيار تجسسية او حتي قاذفة تستخدم الوقود النووي لكي تطير مسافات أبعد من المسافات العادية وغيرها.

والمعروف ان اسم فخري زاده برز بعد انتشار وثائق قام الاسرائيليون بسرقتها من منشآت تورقوز آباد بالقرب من طهران وجهاز كمبيوتر لأحد العلماء النوويين الإيرانيين (عام 2004)، حيث تبين أنه كان يعمل على إنتاج القنبلة النووية الايرانية بالسر، وكان قد التقى عبدالقدير خان (أبو القنبلة النووية الباكستانية)، واشترى منه وثائق عن كيفية تصنيع الرؤوس النووية، إضافة الى انه عمل في وزارة الدفاع على إنتاج رؤوس تفجيرية متزامنة آنية التفجير يمكن استخدامها في انتاج الرؤوس النووية.

والواقع أن الملف النووي الايراني فتح عام 2004 مع قيام «منظمة مجاهدي خلق» المعارضة بسرقة جهاز كمبيوتر نقال لأحد العلماء النوويين الايرانيين والكشف عن أن زاده كان يعمل على انتاج السلاح النووي لإيران، ولم يغلق حتى الآن، حيث إن منظمة الطاقة الذرية الدولية ما زالت تستجوب إيران عن سبب احتفاظها بالملفات والمعلومات التي قام زاده بشرائها عن كيفية تصنيع القنبلة النووية والتحقيقات في هذا الشأن في تورقوز آباد.

ونجا زاده من عدة عمليات اغتيال، أشهرها كانت منذ حوالي خمسة عشر عاما عبر إطلاق النار على سيارته من قبل أعضاء منظمة مجاهدي خلق.

وعلى الرغم من أن منصب زاده الرسمي كان مدير قسم في وزارة الدفاع الإيرانية، فإن مرتبته حسب بعض المحللين الايرانيين لم تقلّ عن مرتبة مساعد وزير الدفاع الإيراني

ولربما حتى أكثر من ذلك، فالمرافقة التي كانت ترافقه وترافق عائلته دوما كانت لا تقل شأنا عن التي ترافق وزير الدفاع الإيراني شخصيا، ومهمه حمايته كانت موكلة الى فيلق الأنصار التابع للحرس الثوري، ويتولى مهمة حماية كبار الشخصيات الإيرانية على مستوى وزراء وقادة عسكريين.

كان د. فخري زاده أيضا لواء متقاعدا في الحرس الثوري وأحد رفاق اللواء حسن طهراني مقدم الذي كان يعتبر «أبا البرنامج الصاروخي الإيراني»، حيث بدأ الاثنان عملهما معا بتأسيس قسم متخصص بنقل تكنولوجيا الصناعات العسكرية من الدول الأخرى الى ايران، وسافرا معا الى كوريا الشمالية وليبيا وباكستان وأوكرانيا والصين وروسيا و... وفيما بعد عمل طهراني بشكل متخصص على تطوير وإنتاج الصواريخ الإيرانية وزاده على تطوير البرنامج النووي الايراني.

ونجا زاده بأعجوبة، من الانفجار الذي حدث منذ 9 أعوام في معمل لإنتاج وقود الصواريخ بمنطقة ملارد جنوبي طهران، الذي أودى بحياة طهراني.

وبعد وفاة طهراني تسلم زاده ملف تطوير البرنامج الصاروخي الايراني ومن ثم ملف تطوير الأسلحة التي تحتاج الى تكنولوجيات مختلفة معا في وزارة الدفاع الايرانية، وعمليا كان يدير قسما كبيرا من مشاريع ايران لانتاج الأسلحة، وكان منصبه محفوظا من قبل مكتب المرشد دون تغيير، بغضّ النظر عمّن يصل الى منصب وزير الدفاع.