في صباح 7 أغسطس رَكِب أبو محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، في سيارة متوقفة في وسط طهران مع ابنته مريم، أرملة أحد أبناء أسامة بن لادن، وبعد مرور ثوانٍ معدودة، مرّ رجلان على دراجة نارية بالقرب من السيارة وأطلق أحدهما النار من سلاحه المزود بكاتم صوت، فقتل الأب وابنته قبل مغادرة المكان على وجه السرعة.

تفيد التقارير بأن المصري كان يخطط قبل مقتله لشن اعتداءات أخرى ضد أهداف يهودية وإسرائيلية حول العالم، وبناءً على المعلومات التي تم تسريبها حتى الآن، يسهل أن نفترض أن اغتيال المصري يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل ويهدف إلى توجيه رسالة قوية إلى إيران وعملائها الإرهابيين، كذلك حصلت عملية القتل هذه غداة سلسلة من الحرائق الصناعية والكوارث الغامضة في أنحاء إيران خلال الأشهر الماضية، أبرزها الانفجار الضخم في منشأة "نطنز" النووية في 2 يوليو.

Ad

يبدو توقيت تسريب هذه المعلومات مثيراً للفضول، فهو يتزامن مع اتّضاح فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، ويتّضح بالقدر نفسه إصرار الرئيس المُنتخب على إعادة إحياء المبادرات الدبلوماسية مع إيران.

لم تتحدد بعد هوية من سيشغلون أهم المناصب الإدارية في عهد بايدن، لكن المؤشرات تكثر اليوم على عودة أبرز الشخصيات المعروفة في عهد باراك أوباما، بمن في ذلك توني بلينكن وويندي شيرمان اللذان لا يزالان من أشرس داعمي "خطة العمل الشاملة المشتركة"، أي الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبره أوباما وفريقه من أهم عناصر إرثه الرئاسي. من اللافت أن تتمسك هذه الشخصيات برأيها حول ذلك الاتفاق حتى الآن رغم تغيّر المصالح الإقليمية بطريقة جذرية.

على مستوى السلطة والتجارة والتعاون الأمني في المنطقة، اتّضحت معطيات جديدة عن الشرق الأوسط في آخر أربع سنوات أكثر من الأربعين سنة السابقة، وبعيداً عن كره الديمقراطيين للرئيس دونالد ترامب، سيكون تجديد الالتزام بتجربة سياسية شائبة لأقصى الدرجات مبادرة كارثية مبكرة في مجال السياسة الخارجية.

يُقال إن إيران باتت تملك الآن كميات ضخمة من اليورانيوم المُخصّب، وهي تتابع تمويل شبكات إرهابية عالمية وباتت ترتبط علناً اليوم بدعم تنظيم "القاعدة" بعد تسرّب المعلومات الأخيرة.

قد يكون هذا الرابط العامل الأبرز في اللغز الإيراني، فلا يمكن اعتبار إيران الشيعية حليفة طبيعية لتنظيم "القاعدة" السُنّي، لكن أثبت الإيرانيون أنهم مستعدون للتكيف مع أي طرف، حتى لو اضطروا لتمويل جماعات إرهابية تجمعها بهم مصالح مشتركة، لكنّ الكشف عن تلقي ناشط أساسي في "القاعدة" الحماية من النظام الإيراني يُصعّب على إدارة بايدن التقرب من إيران، إذ لا يُعتبر التسامح الأميركي مع "القاعدة" موقفاً شعبياً بأي شكل وقد يوحي بأنه يخدم مصالح اليسار المتطرف في الحزب الديمقراطي، علماً أن بايدن يتعرّض لضغوط هائلة كي يسيطر على هذا المعسكر ويُهمّشه.

وبعد تسريب المعلومات عن هذه العملية، من المتوقع أن تتصاعد الضغوط على بايدن كي يعيد النظر بمقاربته تجاه "خطة العمل الشاملة المشتركة" وإيران، وربما كان التسريب يهدف إلى تحقيق هذا الهدف أصلاً. من الطبيعي أن يشعر الأميركيون باستياء عارم أمام احتمال استرضاء دولة تدعم قادة "القاعدة"، ولا مفر من أن تُسبب هذه المسألة المشاكل لبايدن، إذ لا يتعلق هذا الملف بترامب بقدر ما يرتبط بالتحالفات القائمة بين إسرائيل والدول المجاورة لها غداة حلم أوباما بتنفيذ "خطة العمل الشاملة المشتركة". لم تتّضح بعد مدى قدرة الديمقراطيين على تجاوز كرههم للرئيس المنتهية ولايته وتقييم وضع الشرق الأوسط بالشكل المناسب خلال السنوات الأربع المقبلة.

لكنّ الأمر المؤكد الوحيد هو أن التقرب من داعمي "القاعدة" سيُصعّب تنفيذ أي نسخة متطورة من "خطة العمل الشاملة المشتركة".

* فيفيان بيركوفيتشي*