ربما من محاسنه؟ ربما؟ من هو؟ الفيروس الأكثر شهرة في حياتنا طبعا، ذاك الذي وحد أنماط حياتنا لتصبح كلها متشابهة من تايمز سكوير حتى كل "السكويرات" في كل مدن الكون.

جلسات شرب القهوة الصباحية أو "شاي الضحى" في بعض الدول و"الهاي تي" أو حتى "الهابي أور" كلها أصبحت "فيرتوال" يعني من بعيد لبعيد، أو كما يقول المثل "روح بعيد وتعال سالم"، رغم أنه قيل لمناسبات أخرى ولكن في مسألة كورونا البعد أسلم! كثرة الاجتماعات والحوارات واللقاءات الأسرية والصداقية وغيرها عبر "السكايب" أو "الزوم" أو "التيمز" أو برامج كثيرة أخرى.

Ad

صديقتي تقول اقتربت أكثر من معرفة من هم أصدقائي الحقيقيين، وأصبحت أختار وأركز مع بعضهم فقط "مش مضطرة لأحاديث سخيفة ومجاملات"، وهي، أي الصديقة، تقول أيضا ارتحت من الاضطرار للمصافحة والقبلات لمن لا أحمل لهم احتراماً قبل الود.. شديدة الحساسية هي وكثيرة المعارف أيضا، ورغم ذلك تحولت بفعل البعد أو الفيروس الشهير إلى شخص شديد الحرص على شلة من الصديقات والأصدقاء فقط، وحتى بين أفراد عائلتها صارت تردد "لست مضطرة إلا لمن يكن لي المحبة بمثل ما أحب".

وهي نموذج ليس بالنادر بل الجدير بالدراسة في زمن كورونا، كثير من الأصدقاء قالوا أصبحنا نختار من بين أصدقائنا، في حين آخرون فتحوا الأبواب وشرعوها بحثا عمن يكسرون معهم روتين العزلة المنزلية المملة أحيانا، خصوصا لمن لا يرى في بيته "سكناً" لا منزلا، وهناك فرق بين الاثنين كما تعريف المساكنة بعيداً عن التبسيط الذي تستخدم فيه كثيراً في الأحاديث الجانبية المملة هذه المفردة "المساكنة"، فالمساكنة هي أن ترى في كل قطعة وتفصيل من المكان الذي اخترت أن يكون سكناً لك، ترى فيه جزءاً مكملاً لحياتك رسمته عبر سنين من تراكمات في التجارب والتنقل والتعرف على الآخر من ثقافات وعادات وأشكال جمالية، لا مظهراً تزين به غرفة لتبهر به ضيوفك، بل ربما هي ذاك التمثال الذي أهداك إياه يوم التقيتما خلسة وسرقة في تلك المدينة، وكانت مصادفة أيضا، فجرى بين لقاءين ليبحث عن هدية ليست عادية بل تبقى في غرفة نومك تصبحك وتمسيك فتبتسمين ويفرح هو!

أما صديقتي الأخرى فهي تمتلك شبكة علاقات من كازاخستان مروراً بالهند واليابان وانعطافا إلى كثير من دول منطقتنا، هي التي رحلت منذ سنواتها الأولى بعيداً عن سكنها الأول، وانتشرت بل وجدت نفسها في كل مدينة حطت فيها، لبست ملابسهم، تعلمت عاداتهم بل أحبتها، وكثيرا ما تقمصتها في حياتها رغم أنها لم تبعد عن طمي النيل بعيداً، هي في زمن الفيروس راحت تنبش بين الأسماء، تتذكرها رغم أن الملامح شابها كثير من التغيير إذا ما صدقت الصور! بعضنا لا يزال يفضل أن يلصق صورته أو صورتها وهم في العشرين بعد أن عبروا العقد الخامس أو السادس من العمر! "الكبر شين" كانت تقول جدتي وهي محقة، خصوصا عندما كانت تفصل أن الملامح وتفاصيل الجسد تتغير إلى ما لا يعجب الكثيرين غير المقتنعين أن لكل عمر جماله.

صديقتي هذه علمتنا، نحن تلك الشلة الصغيرة أحيانا والواسعة وسع الأرض كثيرا، أن وسائل التواصل ليست فقط للاطمئنان ومعرفة الأخبار، بل ربما لنعيد معرفة أولئك الذين عبروا أيامنا البعيدة، ومروا مرور الكرام أو ربما كنا نحن من مر هكذا كالخيال، هي وهو كانوا معا في الجامعة، هو الشاب الوسيم الذي كان نشيطاً في الحركات الطلابية والسياسية وهي كانت الفتاة المهتمة بدرسها ورياضتها فقط، فلم يجتمعا رغم التقاء وتقاطع دروبهما.

وجدته أو وجدها على وسائل التواصل وبعد السؤال والجواب اللذين بدآ ربما محاولة من الاثنين لتمضية وقت كورونا بعيدا عن نوبات الاكتئاب المنتشرة، تحولت تلك الرسائل الى مكالمات صوتية ثم سكايب بالصوت والصورة! نظرة، فابتسامة، فلقاء فـ! هكذا كان يقال زمان بل زمان جداً، والآن أصبحت رسالة على "فيسبوك"، ثم "مسنجر" وبعدها كل لقاءات مفتوحة تمتد ساعات دون إزعاج النادل الذي يسأل عن طلباتكم في تلك القهوة أو حتى عيون المارة أو الجالسين.

لا أحد سواك أنت وهو وثالثكما ذكريات لمرحلة من العمر وتراكم خبرات علمتكما أن الحياة تقتنص، وأن اللحظة التي تأتي لن تعود أبداً، هو قال لها ذلك ودعم كلامه بكثير من كتابات الفلاسفة، فهو القارئ المطلع الذي أكثر الأسئلة حتى بعدت به الإجابات عن معاشرة الكثيرين.

تروي تلك الحكاية بتفاصيلها والورود الحمر في مكتبها ثم اللقاءات والارتباط بأشكاله المختلفة، وتسألنا "مجنونة صح؟" أو "طيشة" فترد عليها أكبرنا بغنج المراهقة "لا جنون في العشق"، والعشق يختلف من مرحلة عمرية لأخرى لكنه يبقى هو هو، ذاك الذي يدفعك لفعل غير المتوقع. هذه ربما أكبر حسنات ذاك الفيروس الشرير وتلك الوسائل الشيطانية ربما؟!

* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية