أفاد «الشال» بأن التصنيفات الائتمانية ليست سوى انعكاس للسياسات المالية المحلية، وبدرجة أقل للسياسات الاقتصادية، بمعنى أنها تشخص واقع البلد وتعطيه درجة، بينما الواقع، جيد أو سيئ، هو نتاج السياسات العامة للبلد، وإن كان التصنيف الائتماني رديئا، لن يرتقي به سوى تغيير تلك السياسات، وليس إقناع وكالات التصنيف الائتماني بأننا نستحق ما هو أفضل.

والتصنيفات الأدنى للكويت، والتي من المرجح أن تستمر في الهبوط، ليست وليدة اليوم، وإنما وليدة سلسلة من الخطايا المالية لسنوات خلت، ذلك ما يلخصه تقرير صادر من لجنة الميزانيات والحساب الختامي في مجلس الأمة، تلاه رئيسها النائب عدنان عبدالصمد في بداية سبتمبر الفائت.

Ad

ويذكر التقرير أن جملة الإيرادات المقدرة للموازنة الحالية 2020-2021 كانت بحدود 7.5 مليارات دينار، بعد خفض سعر برميل النفط في الموازنة من 55 إلى 30 دولارا، وان العجز المقدر لها سيبلغ نحو 14 مليارا دينار، ونحن نتوقع للعجز الفعلي أن يصبح ما بين 10 و12 مليارا.

ورغم ضخامة العجز المقدر، تمخض جهد المجلسين -وزراء ونيابي- عن خفض للنفقات بحدود 945 مليون دينار فقط، أي أن العجز المقدر ارتفع بنحو 3.6 أضعاف عن «الفعلي» للسنة المالية الفائتة، بينما النفقات انخفضت بنحو 4.2 في المئة فقط.

وخلاصة السياسات الخاطئة منذ خريف عام 2014 وحتى الاصطدام الحالي بالحائط، كانت الركون إلى شراء الوقت باستهلاك كل سيولة الاحتياطي العام والبالغة 50 مليار دينار، وفقا للتقرير المذكور، سواء بغرض تمويل عجز الموازنة بدلا من علاجه، أو تمويل النفقات خارجها، والأخيرة بدعة.

وترتب على أوضاع المالية العامة التي ضربت استدامتها، بروز مؤشران مقلقان، الأول، بيع أصول من الاحتياطي العام لاحتياطي الأجيال القادمة بنحو 2.5 مليار دينار، وتلك مخالفة جسيمة وإن كانت اضطرارية مقابل شراء شهرين سيولة تبعها إلغاء تحويل 10 في المئة من الإيرادات لاحتياطي الأجيال القادمة.

والثاني، تصريح لوزير المالية بأن البلد سيواجه صعوبة في تمويل رواتبه في نوفمبر الجاري، وتلك أزمة سيولة وليست أزمة ملاءة مالية، لقد كان من الممكن اجتناب ذلك الوضع البائس لو أن الإدارة العامة استمعت إلى نصح مكرر بحتمية بلوغه وتبنت سياسات استباقية حصيفة، وبتكاليف طفيفة.

مناسبة استعادة التاريخ ليست من أجل تبادل اللوم، ولكن من أجل التعامل مع الوضع الحالي لأنه وضع صعب وبالغ الخطورة، فإن استمر نهج السياسات المالية بشكل خاص، والاقتصادية بشكل عام، مماثل للنهج التاريخي، فقد لا تتاح للبلد فرصة إصلاح في المستقبل. والإصلاح المطلوب لا يمكن أن يتم سوى بإصلاح جذري للإدارة العامة للبلد، والمؤشرات الأولية لا توحي بأنه قادم، فالقراءة الأولية لمخرجات الانتخابات النيابية المحتملة، توحي بعودة تشكيلة مشابهة لسابقتها.

وإن صدق اجتهادنا، ونتمنى ألا يصدق، فسيغلب على التشكيل الحكومي القادم نهج الجينات والمحاصصة، ذلك يعني عودة سياسات التسامح مع الفساد والهدر وتقديم الولاءات على الكفاءات في معظم الإدارة العامة للبلد. توقيت إجراءات الإصلاح الجوهرية باتت العامل الأساس من أجل اجتناب تداعيات الوضع الحالي وبناء قواعد لمستقبل أفضل، مرور وقت ولو قصيرا دون إصلاح، سيجعل تكاليفه غير محتملة، والتصنيف الائتماني في المستقبل، الجيد أو الضعيف، هو محصلة أي طريق نختار.