قبل النوم كانت الأمهات والجدات يروين للأطفال قصصا تعتمد على تصوره وخياله القصير، فتتكون عنده صورة لكل شيء في حدود قدرته على التخيل، والأم تعمل على تقريب هذه الصورة بما تظن أن طفلها يستطيع عليها وسط جو من المرح، كي يهدأ طفلها وينام.

ليس بالإمكان معرفة هل كانت تلك الصور التي ترسمها الأم فيما تقص على طفلها تأتيه في أحلامه الصغيرة التي لا يمكن أن تكون أبعد عن أمل في لعبة من نوع خاص، أو رحلة إلى حديقة أو شاطئ البحر، وفي أكبر أمنياته أن ينجح في عامه الدراسي بتفوق أكبر من زميله الذي يجلس بجواره!

Ad

الأحلام والخيال صنوان لا يفترقان إلا أن واحدا منهما يسبق الآخر، فإن تحقق أحدهما كان الثاني في انتظار أن يتحقق! وفي القصص التي تروى للأطفال يكون السلطان دائما من حوله حرس مدججون بالسيوف والرماح، وتسهب الأم في وصف مجلسه المهيب، فلباسه من الحرير الذي يأتيه من الهند، أو فروة دُب قطبي ناعم، وعلى رأسه تاج من الذهب المطعم بالياقوت والألماس، والعلماء والحكماء والوعاظ يملؤون القاعة، في حين الجواري والعبيد كل يؤدي دوره في حضرته!

هو محور القصة وغالبا يكون من ورائه هدف يتمثل في رمز ما يتردد في عدة مواقف، تعمل الأم على أن يكون كل موقف بسيطا في صورته وتصويره ليتناسب وقدرات عقل الطفل واستيعابه، هذه الصور كانت تداعب خيال طفل صغير يتلقفها بسرور وفرح، وغالبا يكون قد غلبه النوم قبل أن يقوم شهريار بمنح شهرزاد ليلة إضافية لتكمل قصتها بعد أن يصيح الديك.

اختلفت صورة السلطان في زماننا، فما عاد هو الذي رسمته الأمهات في حكايات ما قبل النوم، بل بات معروفا شكلا وصورة، تأتي عبر وسائل الإعلام، حيث كان من السهل رؤية صورته في الصحف وسماع صوته عبر المذياع من قبل أن تظهر صورته عبر الشاشات والفضائيات أكثر من مرة في اليوم، وأصبح الطفل بعد أن كبر قادراً على حفظ ملامح السلطان وبعض أقواله والاستشهاد بها عند الحاجة، ويمكنه تأييد ما يقول أو يعترض أيضا، كما أن هذا الطفل- في بعض البلاد- حين كبر صار يشارك في اختيار السلطان عبر انتخابه بالطرق الديمقراطية الحديثة! فهل الصورة الجديدة أضاعت هيبة السلطان ورهبة حضوره التي كانت راسخة في ذهن الطفل من حكايات ما قبل النوم؟!

لا شك أن معرفة الكثير من التفاصيل عن شخصية السلطان وشكله وسلوكه قد خففت من قسوة وهيبة وملامح صورته المتخيلة وحل محلها صورة مغايرة تماما، فكل زمان له سلطان تتكون صورته في ذهن الفرد نتيجة لهذه الصورة يبني عليها قرار التأييد له أو المعارضة التي يمكن أن تفرز وضعا مختلفا في العلاقة بينهما.

التعامل بين الفرد والسلطان أصله العدل وتحقيقه، ولا يكون الاعتراض أو التذمر إلا إذا تغلبت سلطة القوة على سلطة القانون وضاع العدل، عندها تختل الصورة الجديدة التي تكونت في ذهن الطفل الذي كبر وصار قادرا على أن يتخلص من صورة السلطان التي رسخت في ذهنه من حكايات أمه التي أورثته خوفها وقلة حيلتها من سلطان سكن خيالها البسيط.

بعد أن تغيرت صورة السلطان بقيت مسافة بينهما فرضها تغير الحال ومشاكل كثيرة متشعبة وأفكار عجت بها المجتمعات بعضها مخيف ومقلق، لكن الصورة تتحول إلى ألفة ومحبة في كثير منها، وإذا كان العدل أساسا، فحينها تتهدم الحواجز الموروثة عن قصص الأمهات والجدات!

* كاتب فلسطيني- كندا