من خلال زياراتي أيام عهود الصبا والشباب للمدن البريطانية قبل نصف قرن، كنتُ أحاول على مدى توالي وتعاقب السنوات، التجوال في الأزقة والشوارع القديمة لهذه المدن، لعلّي أجد ضالة مفقودة ونفحات أشم من خلالها ماضي الكويت، رغم بُعد المسافة عن الوطن واختلاف فرق الزمن.

نعم، لعلّي أجد أشياء قديمة لها ارتباط مع وطني الكويت، ولا أبالغ إذا قلت إني وجدت "تراث وتاريخ الكويت" في بريطانيا، من خلال كتب الرحالة والوثائق والصور القديمة وطوابع البريد الكويتية والمغلفات والمراسلات التجارية والعملات، وكذلك الخرائط الجغرافية النادرة التي يظهر فيها اسم الكويت بالتهجئة القديمة (KOWEYT)، أو الاسم القديم للكويت المعروف بـ"القرين"، كما كان يُكتب هكذا "GRANE". وفي هذه الخرائط ظهرت الحدود السياسية للكويت بوضوح تام وكيان منفصل عن الدولة العثمانية، كما ظهرت الكويت بلون آخر يختلف عن الدول المجاورة، كدليل على السيادة والاستقلال، وكم كلفتني هواية التنقيب والبحث عن تاريخ وتراث الكويت من الوقت والتعب والجهد النفسي والأموال الطائلة... إنها هواية عشق تراث الوطن التي لا تنتهي عند حد.

Ad

وتُعد هذه الخريطة التي اشتريتها في مزاد كبير ببريطانيا من نوادر الخرائط التي رسمها الجغرافي البريطاني الكبير ألكساندر كيث جونسون، وتم نشرها عام 1840 بأدنبره في عهد الحاكم الثالث للكويت الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح الأول الملقب بـ"جابر العيش"، والذي عُرف عنه كرمه وحبه وعطفه على الفقراء والمحتاجين، واتسم عهده بالديمقراطية والمشورة.

ولا يخفى أن الأوتوغرافي الكبير ألكساندر كيث جونسون اطلع على نظام الحُكم في الكويت، فوجد أن الشورى أساس الحُكم، والديمقراطية موجودة، ومتعارف عليها، والحاكم الشيخ جابر العيش ضرب مثالاً رائعاً في التواضع بمجالسته للبسطاء وعامة الناس وتفقد شؤون الرعية، للاطلاع على أحوالهم، لذلك لم يجد هذا الرسام المشهور أفضل عبارة بتقديره إلا أن يُطلق على الكويت اسم جمهورية الكويت (KOWEYT REPUBLIC)، وكما هو واضح بالخريطة تبدو الحدود السياسية واضحة المعالم ومميزة بلون مختلف عن الدول المجاورة، فكان لون الكويت باللون الأخضر، والجزيرة العربية باللون الأصفر، والدولة العثمانية باللون الوردي، والأهم أن العراق كان يتبع الدولة العثمانية، وبداخل حدودها السياسية، أما الكويت، فلديها حدود سياسية كبيرة وواضحة المعالم ولون مختلف، واسم على الخريطة. ويُلاحظ أيضاً أن كل منطقة الفاو العراقية وما حولها تتبع الكويت، وذلك لأن معظم الأراضي ومزارع النخيل هناك يمتلكها الكويتيون، ولديهم وثائق رسمية، وما زالت مُسجلة باسمهم حتى الآن.