كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوسيط في اتفاق السلام بإقليم ناغورني كاراباخ، الذي حقّق مكاسب إقليمية لأذربيجان المدعومة من تركيا. واستطاع بوتين بهذا الإنجاز أن يُحبط إمكانية وجود تركي أقوى في منطقة تعتبرها موسكو فناءها الخلفي.

فقد كانت الاشتباكات العنيفة بين القوات الأذربيجانية والقوات الأرمنية في الإقليم اختباراً لنفوذ موسكو في جنوب القوقاز، الذي كان جزءاً من الاتحاد السوفياتي، وتعتبره روسيا حيوياً للدفاع عن جناحها الجنوبي.

Ad

وسبق أن انهارت 3 اتفاقات لوقف النار توسّطت موسكو في واحد منها على الأقل، كما أسقطت أذربيجان مروحية عسكرية تابعة لروسيا بطريق الخطأ، مما أسفر عن سقوط قتيلين.

ودعم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الهجوم الأذربيجاني عسكرياً ودبلوماسياً، وحاول إحباط مساعي الوساطة.

ومع ذلك، استطاع بوتين في النهاية أن يحقق حلماً روسياً يرجع لأكثر من عقدين بإدخال قوات روسية لحفظ السلام إلى كاراباخ، على أساس أن يتم تجديد وجودها كل

5 سنوات، وفي الوقت نفسه أبقى خارج الإقليم القوات التركية التي ستساعد في إدارة مركز لمراقبة وقف النار من الخارج.

بدء الانتشار

وأعلن رئيس مديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال سيرغي رودسكوي، أن قوات حفظ السلام الروسية، انتشرت في ممر لاتشين الذي يربط أرمينيا بكاراباخ، وطريق التموين الوحيد بينهما، وسيطرت على الممر وقسم من طريق لاتشين، الذي يشمل مزرعة ليسوغورسكي الحكومية مع إقامة نقاط مراقبة مؤقتة.

وقال رودسكوي: "من أجل مراقبة الامتثال للاتفاقات بين أرمينيا وأذربيجان، من المقرر إقامة 16 مركز مراقبة في منطقتي الالتزام الشمالية والجنوبية، وعلى طول ممر لاتشين".

وينص الاتفاق على نشر هذه القوات تدريجياً مع انسحاب القوات الأرمنية من الأراضي، التي ستعود لسيطرة أذربيجان المنتصرة عسكرياً في النزاع الدامي الذي استمر 6 أسابيع.

وسيتوسّع هذا الوجود العسكري الروسي وسيضع حداً فيما يبدو للتنافس الجيوسياسي بين موسكو وأنقرة يماثل ما تكشف عنه التطورات في سورية وليبيا.

وبهذه الصفقة، تحاشى بوتين استيلاء قوات أذربيجانية مدعومة من تركيا بالكامل على كاراباخ. وأكد بوتين من جديد أيضاً نفوذ روسيا في المنطقة بالتوسط في اتفاق لم تكن تركيا أحد الموقّعين عليه.

وثمة عائد آخر محتمل لموسكو، التي يربطها اتفاق دفاعي بأرمينيا ولها قاعدة عسكرية فيها، فقد تولّى رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان السلطة بفضل احتجاجات في الشوارع عام 2018 دفعت الحكومة القائمة آنذاك لتقديم استقالتها.

وكانت علاقات موسكو بباشينيان غير مستقرة منذ ذلك الحين، إذ اعتبرته أقل موالاة لها ممن سبقوه من رؤساء الحكومات فيما يتعلق بالسياسات الرئيسية، واعتبرته شخصا أطاح بجيل من الموالين للكرملين.

ويفرض "اتفاق كاراباخ"، الذي يعتبره كثيرون من مواطني أرمينيا "خيانة"، ضغوطاً على باشينيان، إذ تطالب أحزاب سياسية معارضة باستقالته.

وقد اقتحمت مجموعات غاضبة من المحتجين مباني حكومية ليل الاثنين، بما في ذلك مقر إقامته الرسمي الذي تعرض للنهب.

ومن المستبعد أن تحزن موسكو لسقوط باشينيان إذا ما حدث ذلك.

وأمس، تجمع أكثر من ألف شخص في تظاهرة أمام مبنى دار الأوبرا في يريفان، مطالبين باستقالة باشينيان. وردّد المحتجون هتاف: "نيكول خائن".

وفي كلمة له بثها عبر "فيسبوك"، أمس، أكد باشينيان أن الاتفاق جنّب الأرمن الانهيار الكامل لدفاعاتهم في كاراباخ. وقال: "هذه الوثيقة أعطتنا ما لم يكن بإمكاننا الاحتفاظ به، وفقا للتقديرات العسكرية وغيرها".

من ناحية أخرى، ورغم تأكيد الكرملين أن الاتفاق بين أرمينيا وأذربيجان "لا يتضمّن نشر أي قوات تركية في المنطقة"، أعلن الرئيس التركي، أمس، توقيع اتفاق مع روسيا لتأسيس مركز مشترك لمراقبة وقف النار في كاراباخ، مشيرا إلى أن بلاده ستشارك في "قوة حفظ السلام".

وقال إردوغان إنه بموجب الاتفاق، سيتم فتح طريق بين أذربيجان وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم، وطريق آخر بين أرمينيا وهانكنت في كاراباخ.

كما أكد الرئيس التركي أن بلاده ساهمت في إنهاء احتلال أرمينيا للإقليم، من خلال دعم أذربيجان ماديا ومعنويا.