بعد رحلة طويلة لم تخل من المشاق وصل الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين إلى محطة إبداعية جديدة بصدور ديوانه الجديد "حُمِّلتُ رأسي واتخذت السندباد"، الذي يُتوّقع أن يحظى باهتمام كبير من القراء والنقاد على حد سواء، نظراً إلى التجربة الإبداعية الفريدة للأديب التي تتنوع بين كتابة الشعر والرواية إلى جانب إنتاجه المميز في أدب الطفل، بينما يعد الديوان الجديد سيرة شعرية يحكي من خلالها شاهين رحلته التي انطلقت من بلاده المحتلة إلى عواصم عربية مختلفة ترك جميعها أثراً في نفسيته.

Ad

مخاطر وأهوال

الكتاب الجديد صدر عن دار "خطوط وظلال" للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمَّان، أما عنوانه "حُمِّلتُ رأسي واتخذت السندباد" ،الذي يمثل عتبة النص كما يُقال، فإنه يشي بتمثل قصة السندباد البحري وما واجهه الشاعر من مخاطر وأهوال في رحلته القسرية الطويلة التي يشبهها برحلة السندباد.

وهذا الديوان هو الخامس عشر في إصدارات الشاعر خلال مسيرته الأدبية الطويلة التي بدأت منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وكان قد صدرت له أعمال عديدة مطبوعة للأطفال ويشارك هذا الكتاب مع ديوان صدر قبله بأشهر في معرض الشارقة الدولي بعنوان "أعتقد بالماء خلف السد".

جرعات من الحنين

وعن ديوانه الجديد "حملت رأسي واتخذت السندباد"، يقول شاهين، إن هذا الديوان مختلف عما سبق من حيث الموضوعات التي تتمحور حولها القصائد فجاءت تحمل صوراً ومشاهد شعرية تصوِّر محطات في حياة الشاعر منذ اللجوء من فلسطين والعيش في مخيمات الشتات في الضفة الغربية أولاً، ثم في مخيم الوحدات في عمّان بما يحمله من حنين وشوق إلى بلده الأصلي قرية عرتوف غربي في القدس غرباً إلى باب الواد، ومن ثم مسقط رأسه في بيت جالا وعيشه في مخيم الدهيشة في بيت لحم مهد المسيح عليه السلام، إلى تنقله في عدة بلدان وعواصم عربية حتى فترة عمله مُعلماً ومديراً في مدارس الإمارات العربية التي أفرد لها الشاعر فصلاً من ديوانه تنقل فيه في مشاهد من رحلته عبر الخليج العربي من ميناء الفاو في العراق إلى إمارة دبي عام 1970، ومنها عرج على قرى وأماكن في الإمارات تركت في نفسه عشقاً من نوع خاص عبّر عنه في جرعات من الحنين ومراتع الشباب وبدايات العمل وتكوين الصداقات هناك في قصائد عديدة من ديرة وبر دبي والحمرية والعوير والجميرة والخوانيج ثم الشارقة حيث استقر به المقام أخيراً للعمل ومنها إلى الذيد وفلج المعلا والمنطقة الوسطى، إلى أن غادر الشاعر الإمارات نهائياً في عام 1985.

تغريبة شعرية

جاءت قصائد الديوان بأسماء مقامة لكل موضوع في تغريبة شعرية تصور المكان على لسان قاطنيه كما يراهم الشاعر من خلال تعاملاته، ويلاحظ كم تركت الأماكن من الأثر الكبير في نفسية الشاعر بما انعكس على لوحاته التصويرية التي أتقن إبداعها بالكلمات والشعر.

والديوان رحلة مصوَّرة متكاملة من أوله إلى آخره يعيشها القارئ مع الشاعر الذي عايشها بكل رعشات الحنين من حالات الاغتراب إلى الشوق للعودة إلى وطنه السليب في فلسطين ومراتع طفولته في القدس وبيت لحم والدهيشة وبيت جالا.

ومن أجواء الديوان ما كتب على غلافه الأخير:

في قامة الأطفال حُملت الأمانة بين أترابي من العرب الكرام

غمد الحقيقة كان يشكو سيف حامله المعتق بالذهب

حُمِّلت رأسي واتخذت السندباد ذريعتي التطواف جملي لا يقوم به سواي

وليس لي إلا امتداد البحر والصحراء والوطن الكبير

من المحيط إلى الخليج وكل أعمامي العرب

الحوت كان جزيرتي في كل بحر أرتجيه

وكل قافية ختمت قصيدة فيها وساورني التفاؤل والطرب

فرأيت في كل المنامات التي حاولتها

حوتا ويونس والبحار تحيطني من كل فجٍ لا مفر ولا هرب

فمن الشمال إلى الجنوب من السقيفة للمخيم

كان لي طير أمامي يزجروه فأرعوي

وأثوب متجهاً لوادٍ غير ذي زرعٍ به استحصدت أحلامي وآمالي

لتحصدني السنون وغيهب الأيام والزمن الرديف

وما توالى في الغياب عن الديار بلا خطايا أو سبب

فمن الإمام إلى الخليفة كلهم كانوا ورائي

ثم كانت بينهم حمالة للشوك تنفخ في الحطب.