بقيت هوية الرئيس الأميركي الجديد مجهولة حتى عشية يوم الخميس الماضي، لكن اتضحت هوية الخاسر الأكبر في هذا الاستحقاق: إنهم منظّمو الاستطلاعات، فقد توقّع معظمهم أن يحقق جو بايدن فوزاً ساحقاً، فما سبب توسّع هامش الخطأ لهذه الدرجة؟ في عام 2016، توقعتُ شخصياً أن يفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية رغم جميع التوقعات المعاكسة، وقبل شهرٍ من الآن، توقعتُ أن يفوز أي طرف في هذا السباق بفارق ضئيل، بغض النظر عن موقف الناس من النتائج النهائية، كان احتمال أن يفوز ترامب بولاية ثانية حقيقياً.

لنعد إذاً إلى السؤال المحوري: كيف يمكن أن يخطئ منظمو الاستطلاعات لهذه الدرجة مجدداً، رغم عمليات التقييم الشاملة وإعادة النظر بالمنهجيات المعتمدة بعد عام 2016؟

Ad

يتعلق الجواب الأول بعدم تعلّم الباحثين المتخصصين بتحليل توجهات الرأي العام أي دروس من أخطائهم السابقة.

أولاً، تستخف شركات تنظيم الاستطلاعات دوماً بمفهوم "تحيّز عدم الاستجابة": يعني هذا المصطلح المعقد أن الناخبين الذين شاركوا في الاستطلاعات يحملون آراءً مختلفة عن المجموعات التي لم تشارك: ربما لم يتم التواصل مع ناخبي ترامب، أو رفض هؤلاء المشاركة في الاستطلاع، أو قرروا عدم إعطاء أجوبة صادقة. يكشف تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 2016 أن نسبة كبيرة من الناخبين ترددت في الإجابة بصدق، لا سيما الفئة التي كانت تُخطط للتصويت لترامب، ويُفترض ألا يكون هذا الوضع مفاجئاً نظراً إلى الأجواء السامة التي تطغى على المناخ السياسي الأميركي في الوقت الراهن، فكل من لا يصدّق وجود ناخبين خجولين أو خائفين أو أشخاص يفضّلون ألا يكشفوا عن توجهاتهم الحقيقية في استطلاعات الرأي، بغض النظر عن الأسباب، يعيش في وهم حقيقي.

ثانياً، يغفل الكثيرون عن أداة معيّنة لتوقع مسار التصويت أو يسيئون فهمها: إنها نِسَب التأييد. يكفي أن نلقي نظرة سريعة عليها كي نستنتج أن ترامب يسجّل أدنى نسبة تأييد في التاريخ، وهي تقتصر على 41%، ومنذ 1980، يبلغ متوسط تأييد الرؤساء عند إعادة انتخابهم 54.5%، أي أعلى من معدل ترامب بنسبة 14% تقريباً! منذ بدء تسجيل نِسَب التأييد، يحصد كل رئيس يفوز بولاية رئاسية ثانية أكثر من 50% من الأصوات عند إعادة انتخابه أو ترتفع أرقامه تدريجاً في آخر 30 يوماً قبل موعد الانتخابات.

تكشف هذه الأرقام إذاً أن ترامب لم يكن يملك أي فرصة لتحقيق الفوز، لكن تبرز ملاحظة محورية أخرى، وهي أنه يجب ألا نهتم إذاً بالأرقام الأولية حصراً بل من الأفضل أن يصبّ التركيز على نزعة تأييد المرشحين، ولا يمكن أن نقارن نسبة تأييد ترامب بالرؤساء السابقين، بل يجب أن نقارن النزعات التصاعدية والتنازلية مع مرور الوقت، وفي هذه الحالة، يسجّل ترامب أصغر فرق على الإطلاق بين أدنى معدّل وأعلاه. بعبارة أخرى، يحصد ترامب تأييد أقوى قاعدة انتخابية في التاريخ الحديث، كذلك، يكشف تحليل إحصائي أساسي أن ترامب كان يحصد نِسَب تأييد تصاعدية منذ وصوله إلى السلطة، مما يعني أنه يحقق مكاسب دائمة وسط قاعدته الانتخابية.

ثالثاً، لم يتحسن أداء منظّمي الاستطلاعات على مستوى تقدير هامش الخطأ وفق بحثٍ أصدرته "مراجعة علوم بيانات هارفارد" في الأسبوع الماضي، ولا تسأل شركات الاستطلاعات كل أميركي عن خياره الانتخابي، بل تسأل جزءاً صغيراً من الشعب وتستنتج توجّه جميع السكان بناءً على تلك الأجوبة، فلا مفر إذاً من ظهور أخطاء متفاوتة في نتائجها.

في النهاية، لم يكن أي عامل من هذه العوامل الثلاثة كافياً لترجيح كفة ترامب في الانتخابات، لكن تُشكك هذه الجوانب مُجتمعةً بمصداقية نماذج منظّمي الاستطلاعات... مجدداً!

*ليبرتي فيتيرت