لابد من إنهاء حالة الضبابية والازدواجية التي تتلبَّس المشهد السياسي من خلال تمظهرات أشدها شذوذاً استمرار جري الناخبين وراء نواب الخدمات، ومع أن الخدمات موقوفة إلا أن الناس ما زالوا تحت خَدَر مُسلَّمة أن نواب الخدمات سيستمرون في خدمتهم بعد نجاحهم.

نواب الخدمات هم الأخطر في تخريب العملية السياسية، كما أنهم باستمرار تأثيرهم على الناخبين يبذرون الشك في كل مظاهر وتوقعات الإصلاح التي رشحت مصاديقها بقوة في إجراءات وقرارات حكومية عديدة تطمح بإصرار إلى الإصلاح، وهذا يعني بالتبعية وجوب التغيير الجذري في المنظومة السياسية السابقة وإحداث قطيعة مع كل ما استقر من ثوابت جعلت أشخاصا بعينهم (نواب الخدمات) يمثلون قدَراً لا بد من التسليم به والاستسلام له، وربطت بهم إنقاذ أرواح الناس ووظائفهم ومناصبهم وحمايتهم من العقوبات والمخالفات، مما يتعين معه خلق اليقين المضاد لدى الناس بأن هؤلاء النواب لم تعد لهم القدرة على تقديم أي خدمة، من خلال إعلان الحكومة إغلاق منافذ الخدمات إلى الأبد، وتعزيز ذلك بإجراءات وضوابط مستمرة يخضع من يتجاوزها لأقسى العقوبات أياً كان موقعه ومنصبه، مما ينقلب معه كلياً اليقين السابق لدى الناس بحيث ينغرس في وعيهم عدم فائدة نائب الخدمات.

Ad

إذاً يجب الاشتغال على منطقة اليقين بحرث أرضية القناعات لاجتثاث مسلمات اللا إصلاح الناعسة في يقين الناس حتى يتبخر للأبد هامش الرهانات أمام نواب الخدمات، وهذا يدعوني للإضاءة على مفهوم القطيعة لضرورة ذلك للفهم المستنير والعميق للواقع.

فحين تنقلب وتذوب مسلمات حاكمة لفضاء ثقافي معين ينهدم البناء الذي ارتفع على هذه المسلمات، فمثلا العصور الوسطى كانت قائمة على المسلمات البطلمية التي تجعل الأرض مركز الكون لأنهم يرون كل شيء يدور حولها، فلما هدم كوبرنيكوس هذه المسلمة وأثبت أن الأرض تدور حول الشمس وجاء من بعده نيوتن ليؤسس مسلمات علمية حكمت النظام العلمي للكون حتى بزوغ نظريات النسبية لأينشتاين فاختلت مسلمات نيوتن مُخلية المكان لقوانين ومسلمات النسبية.

كذلك الفضاء السياسي محكوم بما يستقر من مسلمات من صنيع البشر وذات طبيعة أخلاقية إلا أن رسوخها مع الزمن يجعلها قريبة من موضوعية القوانين الكونية، لذلك فإن اختلالها يحتاج زمنا طويلا، كما يحتاج ارتجاجات اجتماعية عنيفة وعميقة، ويمثل هذه المسلمات ما استقر من قيم حرية وعدالة ومساواة وسيادة القانون بحكم مؤسسات الحرية الفردية وحرية الملكية ونُظم تحكم فضاء دول ومجتمعات الغرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولذلك في هذه الأيام هناك صدمة مما يحدث في الفضاء الأميركي السياسي في عهد الرئيس ترامب الذي يهدد بعدم تسليم السلطة في حال عدم نجاحه واحتمال اندلاع حرب أهلية تنهار معه الدولة الاتحادية الأميركية وتتشظى منه الأمة الأميركية لأن ذلك يتصادم مع مسلمات مستقرة منذ قرون في الفضاء الأميركي المجتمعي والسياسي.

الخلاصة أنه من الخطورة ترك مسلمات نائب الخدمات تتجول في أروقة يقين الناخبين لأن هذا يمسخ الواقع ويشوه الوعي.