بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ

مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ

Ad

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا

إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً

لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت

كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ

هذه الأبيات من قصيدة كعب بن زهير التي قالها في مدح النبي، صلى الله عليه وسلم، معتذرا عن الأخطاء التي قالها في حقه وحق المسلمين، وعدد أبياتها سبعة وخمسون بيتا، بدأها بالغزل الذي خصص له 13 بيتا، ثم انتقل لوصف الناقة واستغرق 18 بيتا، أما الاعتذار للنبي ومدحه وهو الغرض الأساسي فقد شمل 24 بيتا.

وكعب ابن الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى من شعراء المعلقات، ويقال إن زهيراً رأى في المنام حبلاً نازلاً من السماء فحاول أن يتعلق به لكنه لم يستطع، وفسره على ظهور نبي لكنه لن يدركه، فأوصى أبناءه أن يتبعوه، فآمن بجير فهجاه كعب في قصيدة هجا فيها النبي فلما قرأها بجير على النبي أهدر دم كعب.

بعد فتح مكة وانتشار الإسلام، شعر كعب بالخوف والقلق ونصحه أخوه أن يأتي للرسول تائبا فلم يعرف عن النبي أنه رد تائبا، فذهب إلى المدينة ودخل مسجد الرسول وهو يلبس عمامة غطى بها وجهه، وذهب إلى مجلسه وهو جالس بين أصحابه ووضع يده في يد الرسول قائلا: أنا العائذ بك يا رسول الله، فسأله من أنت؟ قال كعب، فعفا عنه، فأنشد القصيدة بين يديه.

بدأ قصيدته بمقدمة غزلية كعادة شعراء العرب، يتكلم عن حبيبته سعاد التي هجرته، وقلبه مازال متيماً بها، ثم يصف جمالها وهي مقبلة ومدبرة وابتسامتها المضيئة المشرقة، وشبه حلاوة ريقها بالخمر الممزوجة بالماء البارد الصافي، ثم يتحدث عن إخلالها بالمواعيد، وكل هذا كان على مسمع الرسول ولم يعترض عليه، لذا فهو مباح إذا كان خاليا من المجون ولم يقصد به امرأة معينة، فهي مقدمة قد تساعد الشاعر على فتح قريحته.

ثم ينتقل إلى وصف الناقة، فيقول إن سعاد أمست في بلد بعيد، لا يصل إليها إلا بناقة قوية صلبة، تجوب الصحراء لا تكترث ولا تمل من الجو الحار أو البارد، وجلدها أملس لا تتجمع فوقه الحشرات، ثم ينتقل إلى مدح الرسول والاعتذار منه وطلب العفو.

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ

يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني

وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ الـ

قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ

أَرى وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ

مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ

في هذه الفقرة يخصصها لمدح النبي والاعتذار، فأشار أنه جاء طالبا العفو والاعتذار، ولديه أمل بأن يقبل الرسول توبته، فوصف خوفه من النبي وهيبته أن لو وقف الفيل وهو أضخم الحيوانات مقامه لارتعد خوفا من هيبة الرسول، وصور هيبة الرسول أكثر هيبة من الأسد، ووصفه بالنور المضيء وسيف من سيوف الله القوية، ثم ختم قصيدته بمدح أصحاب الرسول وخص المهاجرين فهم الذين هاجروا بدينهم وتحملوا المشقة والعناء وهم الأقوياء ذوو الأصول الكريمة.

ويبدو أن إلقاء كعب للقصيدة كان متميزا، ويقول بعض الرواة إن الرسول أثناء استماعه للقصيدة كان يؤشر لأصحابه ليسمعوا إلى هذا الكلام إعجابا بما يسمع، كما يقال إن الرسول قال له ألا ذكرت الأنصار بخير، ونكتفي بهذا القدر كي لا نطيل على القارئ.