الكويت لا تنقصها القوانين، بل هناك تخمة فيها، وما عليك إلا أن تفتح الدرج وتسحب ما تشاء، والكويت لا تنقصها الخطط ولا المشاريع، فالسلة الحكومية والبرلمانية ممتلئة على الآخر، فإذا أردت الوقوف على تصور أو رؤية لحل مشكلة، فما عليك إلا الذهاب إلى أقرب مكتب للحصول على مبتغاك!

كثر الحديث والكلام عن الخلل في التركيبة السكانية وآخرها ما خرج من مجلس الأمة والذي أجاز مقترحا متكاملا لحل هذه المعضلة، شرط أن تلتزم به الحكومات القادمة!

Ad

موضوع التركيبة السكانية لم يتوقف منذ الخمسينيات لا من أشهر فقط، بل هو ملازم لكل العقود والمجالس النيابية، وإذا ما تيسر لأحد مراكز البحوث دراسة هذا الملف فسيجد أمامه رزماً من المقترحات والقوانين والحلول، لكنه موضوع ساخن وشعبوي ولديه جمهور يطرب له، وما على النائب سوى العزف على الوتر الحساس!

تحدثت مع رجالات كويتيين "ووافدين" لهم باع طويل في قطاعي الزراعة والبناء، وكان القاسم المشترك بينهم أن مسألة تخفيض العمالة الوافدة، بسيطة ويمكن الأخذ بها، لكن المشلكة هنا تكمن في عقدتين كبيرتين: الأولى عدم تطبيق القانون بعدالة وعلى الجميع، والثانية تفشي حالة الفساد والكفيلة بتدمير أي رؤية إصلاحية، ومهما كانت القوانين التي تحكم بها!

التقديرات تشير إلى 100 ألف من العمالة الوافدة في قطاع الزراعة تقريباً يخدمون 7 آلاف مزرعة موزعة في الوفرة والعبدلي والصليبية، إضافة إلى 5 آلاف جاخور في كبد! السؤال: هل هذا القطاع يحتاج إلى هذه الأعداد؟ الجواب بالطبع بالنفي، فبالإمكان تخفيض هذه العمالة إلى النصف إن لم يكن أقل، في حال التوجه نحو الميكنة الزراعية، وأقرب مثال تجربة دولة الإمارات العربية، فباستطاعة الحكومة توفير مكائن وآلات تؤجر لأصحاب المزارع من شأنها الاكتفاء بعدد محدود جداً من العمالة المدربة، ومع الوقت ستسدد هذه المكائن كلفتها، ويا دار ما دخلك شر؟

لكن التصورات شيء والواقع شيء آخر، فالجهة المنوط بها تولي أمر الزراعة، تعاني مشاكل مزمنة، ترتبط بالتوظيف غير المنتج وبالتنفيعات والانتقاء بتطبيق القانون، فمثلاً هناك مئات من الموظفين يتبعون الهيئة مسجلين على اسمها يقبضون رواتب ولا يداومون! وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بتقديم دعم سنوي لهذا القطاع يصل إلى 27 مليون دينار نسبة المستفيدين منه يعدون على أصابع اليد، أي أن الواسطة والعلاقة الشخصية والنفوذ هي مقياس الدعم، متبوعة بكلمة هذا يستحق وذاك لا يستحق، فمن أصل السبعة آلاف مزرعة المقرر لها دعم سنوي، هناك الآلاف ممن لا يحصلون على دينار واحد!

وإذا ما اقتربت من وضع الشركات التي تبيع كل ما تحتاجه المزارع من بذور ومبيدات وأسمدة وحتى "الهواء" فستعرف حجم الاحتكار الذي تفرضه والأسعار التي تتحكم فيها، في ظل غياب أي رقابة فعلية على هذه الشركات من قبل الجهات المعنية، لقد وصل الفساد إلى "العامل البنغالي" الذي وضع في ظروف قاهرة ويعمل تحت درجة حرارة تصل إلى الخمسين وما فوق، وبمعدل عشر ساعات يومياً، وبراتب لا يزيد على المئة دينار شهرياً، فهذا تم دفعه لممارسة الفساد والتكسب بعد حرمانه والتضييق عليه والمتاجرة به!

أما في قطاع البناء والذي هو الآخر متخم بالعمالة الوافدة فما زال يعتمد في جزء كبير منه، خصوصا البيوت السكنية، على ما يعرف "بالصبّة الإيرانية" والتي تستلزم وجود عشرات العمال في البيت الواحد، وهذا بخلاف عامل الوقت والأسلوب البدائي في البناء، في حين أن هذا القطاع صار أسرع بفضل التكنولوجيا، والتي تختصر العمالة بنسبة النصف، فالمشروع الذي يحتاج إلى 100 عامل، على سبيل المثال، بالطريقة البدائية اليوم وبفضل التكنولوجيا والأسلوب الخرساني المتقدم لا يحتاج ربما إلى عشرة عمال!

خلاصة الكلام أن الاستثمار الأمثل اليوم في قطاعي الزراعة والبناء هو التوجه باستخدام التكنولوجيا المتطورة وبناء مصانع تلبي هذه الاحتياجات وتدريب عمالة كويتية، وصولاً إلى ما يمكن تحقيقه، وهو تعديل الخلل في التركيبة السكانية، بدلاً من حالة الضياع والتراخي بجلب 500 عامل على سبيل المثال لمشروع حكومي أو خاص، وبعد الانتهاء منه لا يتم إجبارهم عن طريق كفيلهم بإعادتهم إلى بلدانهم بل يتوزعون على أحياء ومناطق الكويت، وهكذا تكبر كرة الثلج دون القدرة على إيقافها أو الحد منها!