انفخ يا شريم بن غودو، هي الحكمة التي نتمنى أن يستوعبها كل الحالمين بالتغيير السياسي والاقتصادي، شريم هو الأشرم الذي ينفخ دون جدوى في المثل الكويتي، وهو أي سياسي نزيه أو مثقف واع ومخلص يتوهم أن الأوضاع المزرية التي استقرت بالدولة منذ سنوات طويلة ستتبدل، وتبقى الكتابات المكررة والتصريحات السياسية العاجزة تنفخ على رماد الوهم دون أن تبدو أي بارقة أمل للتغيير. غودو هو خيال وعدم ظل ينتظره بطلا المسرحية "العبثية" للكاتب صموئيل بيكت ولا يحضر أبداً، فهو انتظار من أجل الانتظار، يلخص فيه الكاتب الأيرلندي الكبير رؤيته التشاؤمية لخواء الوجود.

في شهر سبتمبر الماضي تصدر مانشيت لجريدة الراي "الكويت على مشارف هاوية اقتصادية"، وكتب المحرر "إن مسؤولي الإصلاح الاقتصادي اعتادوا في السنوات الماضية على لعبة المسكنات بدلاً من اتباع العلاج الإصلاحي المستحق"، وأضافت "الراي": "اننا في أمس الحاجة لإرادة سياسية قادرة على إدارة اختلالات الميزانية العامة"، لا يوجد جديد في طرح مثل هذا التصور، وبصرف النظر سواء اختلفنا أو اتفقنا مع مضمون مانشيت الراي ورسالته الضمنية، تبقى حقيقة "غياب الإرادة السياسية" مسألة واقع لا يمكن المجادلة فيه.

Ad

الإرادة السياسية هي إرادة السلطة وعزمها على التغيير، وغيابها يعني عدم مرونتها وقدرتها على قراءة حال البلد قراءة واعية قبل وباء كورونا، وتحديداً من عام 2014، بداية تهاوي أسعار النفط وفشل السلطة منذ ذلك اليوم في تحقيق الحد الأدنى من ضمانات المستقبل بتخفيض العجز عن طريق إنهاء ملفات الفساد المتنامية، وتنويع مصادر الدخل وقلب مناهج التعليم، وحل التركيبة السكانية بشكل عقلاني بتحفيز الإنسان الكويتي على العمل الجدي، ووضع نهاية لحالة التواكل على جهد وعمل الغير، ورمي أسطوانة "لا مساس بجيب المواطن" في سلة القمامة، فالمواطن حتماً سيمس وسيشق جيبه آخر الأمر بالضريبة ورفع الدعوم والرسوم، وسيصعب إيجاد الوظيفة الحكومية المريحة للقادمين لسوق العمل، بينما الجالسون على المقاعد العالية لن يمسهم شيء أو أن الضرر الذي يصيبهم قليل نسبياً.

الآن بعد كورونا، وبعد أن أخذت دول متقدمة، مثل الدول الأوروبية، تشكو من الكساد التضخمي وزيادة معدلات البطالة، وترى صحافتها الحرة أن القادم الاقتصادي سيكون أسوأ من وباء كورونا، فكيف هو وضع دول مثل دولنا النفطية الريعية التي ظلت تعيش لعقود على "ريع سلعة واحدة"، وصاغت سلطاتها الحاكمة عقودهم الاجتماعية مع شعوبهم على فلسفة "اعطيكم دون مقابل سوى ضمان صمتكم وصرف نظركم عن السياسة"، والسياسة هنا هي احتكار الحكم، ما العمل الآن والأخبار تنقل كل يوم البحث المستمر عن مصادر نظيفة بديلة للطاقة للحفاظ على البيئة، وعجز الأسواق عن استيعاب الفوائض النفطية؟ ما العمل هنا بإمبراطورية "يا رب لا تغير علينا"؟!

بغير الوعي المتحفز لمخاطر اليوم والغد عند المواطن المتكئ المستريح على مقعد الأمان، بانتظار راتب ومعاش آخر الشهر، لا توجد حلول وعصا سحرية لإنقاذ مستقبل الوطن من هاوية السقوط والدمار الاقتصادي، غير هذا لا شيء يتبدل على مسرح العبث الكويتي، فأغلبية الجمهور مازالوا ينتظرون غودو.