أعلنت السلطات الفرنسية، أمس، أنها ستغلق مسجداً قرب باريس كجزء من حملتها ضد الإسلام المتطرف، التي أوقف على إثرها حتى الآن نحو 12 شخصاً، بعد قطع رأس أستاذ عرض على تلاميذه رسوماً كاريكاتورية تمثل النبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم).

وشارك المسجد الواقع في ضاحية بانتان المكتظة شمال شرقي باريس مقطع فيديو على صفحته في «فيسبوك»، فيه تنديد بحصة للأستاذ صمويل باتي حول حرية التعبير، قبل أيام من قتله.

Ad

والفيديو الذي نشر في 9 أكتوبر، يظهر والد أحد تلاميذ «مدرسة بوا أولن» في كونفلان سانت أونورين الواقعة على بعد 40 كلم شمال غربي باريس، وهو يعرب عن تنديده بدرس حول حرية التعبير أعطاه باتي في 5 أكتوبر.

وبعد نحو 10 أيام، قطع الشيشاني عبدالله أنزوروف الذي يبلغ من العمر 18 عاماً رأس الأستاذ.

وأكدت وزارة الداخلية أن المسجد الذي يقصده نحو 1500 مصلٍ، سيقفل أبوابه اعتباراً من مساء اليوم، ولستة أشهر. وطلب وزير الداخلية الذي تعهّد شنّ «حرب على أعداء الجمهورية» في أعقاب قطع رأس الأستاذ، من السلطات المحلية تنفيذ الإغلاق.

وأطلقت الشرطة منذ أمس الأول، حملة ضدّ الشبكات الإسلامية، وتعهد دارمانان بتشديد الخناق أيضاً على الجمعيات الخيرية التي يشتبه بأنها مرتبطة بهذه الشبكات.

وقال إمام «مسجد بانتان» محمد هنيش أمس، إنه لم ينشر الفيديو «تأييداً» للشكوى المتعلقة بعرض الرسوم الكاريكاتورية، لكن لقلقه إزاء الإشارة إلى التلاميذ المسلمين في الصف التي تثير الخوف من «موجة تمييز» بحق المسلمين.

وأوقف أيضاً أربعة تلاميذ أمس الأول، لدورهم في تحديد هوية باتي لقاتله، ليرتفع عدد الموقوفين الى 15 شخصاً.

وقال وزير التعليم الفرنسي جون ميشال بلانكير لقناة BFM التلفزيونية أمس، إن باتي سيحصل على «وسام جوقة الشرف»، وهو أعلى الأوسمة الفرنسية خلال مراسم عامة لتكريم باتي في «جامعة السوربون» في باريس اليوم، وسسيشارك بها ماكرون.

شبح لوبن

وفي إشارة مباشرة الى زعيمة حزب «التجمع الوطني» المتشدد مارين لوبن، استنكر وزير العدل الفرنسي، إيريك ديبون موريتي، من معكسر الرئاسة، استغلال حادث مقتل باتي «لأغراض انتخابية».

وقال: «بالكاد انتشرت المأساة، حتى استخدمها السياسيون ويستخدمونها لأغراض انتخابية»، ليضيف إن «هذا يثير اشمئزازي، وهو أمر غير لائق»، معتبراً أن هذه «المزايدات هي الشعبوية والديماغوغية بعينها».

وأوضح الوزير أنه «يجب أن تأخذ الحكومة الوقت الكافي قبل الإعلان عن عدد معين من الإجراءات، لأن علينا العمل قبل تقديم أي شيء، وأستطيع أن أعدد لكم 50 إجراء، لكن هذا ليس ما نريد القيام به على الإطلاق. لا يمكننا الكذب، من السهل المبالغة والمزايدة».

وارتفع منسوب التوتر على المستوى السياسي أيضاً مع إعلان ماكرون «خطة عمل» ضد «الكيانات والجمعيات أو الأشخاص المقربين من الدوائر المتطرفة» والذين ينشرون الدعوات للكراهية.

ورغم أن إدارة ماكرون استخدمت لغة متشددة واصفة الهجوم بأنه «إرهاب اسلامي» في عبارة كانت تثير حساسية قبل سنوات قليلة ولاقت إدانة من شيخ الأزهر، دعت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن التي قد تواجه ماكرون في انتخابات عام 2022 الرئاسية، إلى سن «قانون حرب» وتعليق الهجرة فوراً.

«شهيد حرية التعبير»

وأمس الأول، تجمع أمام مدرسة باتي عدد من رجال الدين المسلمين لتقديم التعازي.

وقال كيمادو غاساما، وهو إمام مسجد في باريس، «من المهم جداً أن نأتي إلى هنا ونعبر عن مواساتنا، ونقول إن ما حصل هنا لا يعبر عن الإسلام. هذه الجريمة نفذها مجرمون لا علاقة لهم بالإسلام».

من ناحيته، قال حسن شلغومي، وهو إمام مسجد في درانسي إحدى ضواحي باريس أثناء وضعه باقة من الزهور خارج المدرسة التي قتل عندها المدرس، وهو بصحبة شخصيات إسلامية كبيرة أخرى، إن «الوقت قد حان لأن تتنبه الجالية المسلمة إلى مخاطر التطرف الإسلامي».

وقال شلغومي «إنه شهيد لحرية التعبير، ورجل حكيم كان يعلم التسامح والتحضر واحترام الآخرين»، وعادة ما يدعو شلغومي بصفته رئيساً لمؤتمر أئمة فرنسا إلى التسامح بين الأديان.

وتابع أن على السلطات الدينية الإسلامية أن تنظر إلى حادثة الذبح على أنها دعوة لاتخاذ موقف.

وأضاف أن «المتطرفين الإسلاميين في فرنسا منظمون جداً ويعرفون كيفية استغلال النظام القضائي وإلى أي مدى يمكنهم ذلك».

وأوضح: «نحن بحاجة لأن نجد نهاية لخطاب الإيذاء. كلنا مثل الآخرين نتمتع بحقوق في فرنسا. وعلى الآباء أن يخبروا أبناءهم عن الخير الموجود في هذه الجمهورية».

3 ناشطات

في غضون ذلك، اعتقلت السلطات في تولوز مساء أمس الأول، 3 ناشطات بعد إلصاقهن في شوارع المدينة الواقعة في جنوب غربي فرنسا رسماً كاريكاتوريا يمثّل النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، وضعه «شارب»، مدير صحيفة «شارلي إيبدو» الذي قضى مع 12 من أفراد هيئة تحرير الأسبوعية الساخرة في هجوم 2015 على الصحيفة.

نازيون جدد

في الأثناء، قال مدعون عامون في باريس إنهم فتحوا تحقيقاً بشأن موقع إلكتروني فرنسي مؤيد للنازيين الجدد أعاد نشر صورة جثة باتي التي نشرها القاتل على «تويتر».

وفي أنقرة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن «المنزعجين من صعود الإسلام، يهاجمون ديننا عبر الاستشهاد بالأزمات التي كانوا هم سببًا في ظهورها»، في إشارة واضحة الى ماكرون الذي أثار جدلاً بقوله خلال خطاب قبل أيام «إن الإسلام يعيش أزمة في كل مكان».

وفي رسالة مرئية إلى اجتماع للمفتين في بلدان أعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، قال إردوغان إن «غاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من إطلاق مبادرة الإسلام الفرنسي هي محاسبة الإسلام والمسلمين»، وبيّن أن الخطابات المعادية للإسلام والمسلمين باتت أبرز الأدوات التي يستخدمها ساسة الغرب للتغطية على إخفاقاتهم.

وأشار الرئيس التركي إلى أن «التعصب القومي والمذهبي والإرهاب فتن تنخر العالم الإسلامي من الداخل». وشدّد على أن «الواقع المحزن للمسلمين يشجع الإمبرياليين وأعداء الإسلام على محاولة النيل منهم».