• دراستك لهندسة الحاسوب، كيف أفادتك على المستويين الإبداعي والإنساني؟

- درستُ هندسة الكهرباء والإلكترونيات والكمبيوتر، وبمجرد تخرجي عملت بإحدى الشركات الكبرى في الإمارات، واكتسبت معرفة وخبرة أثرت تفكيري مع عوامل البيئة التي نشأت فيها، والتعليم والهوايات التي أمارسها، ومن ضمنها القراءة والكتابة، وبالتأكيد كان أمرا مثيرا ولافتا بالنسبة إليّ حين أنظر إلى واقع الحياة من معطيات وما يحيطني من تفاصيل؛ أسرة سودانية تعيش في مدينة أبوظبي الحاوية لثقافات متنوعة وبيئة عمل تتسم بذلك أيضاً، فمنطقي إذاً أن أرى قضايا كل المجتمعات على الرغم من تنوعها الثقافي، ومن الممكن تناولها بحلول ميسرة، وأبسطها: التسامح، وتغليب الحس الإنساني، كما كانت مفاهيم الهوية تأخذ حيزا كبيرا من تفكيري في محاولة متواصلة للتحليل والفهم.

Ad

«خبز الغجر»

• ماذا عن أحدث مشروعاتك الأدبية «خبز الغجر» التي صدرت مؤخرا؟

- تتناول رواية «خبز الغجر» قضية الفئات المهمشة المنعزلة وما تعانيه الشعوب الأصلية في حاضرة الحياة العصرية، واحتوائهم للمهمشين في مجتمعاتهم المتمدنة، كما يتطرق النص إلى قضايا أخرى منها عوالم الاقتصاد، وهل حقاً هو ما يغير خرائط الدول على حساب المجتمعات، مروراً بنظرية الاقتصاد السلوكي، ومفاهيمه المحتملة، وكيف يمكن تكامل أنواع وسبل الاقتصاد الموافقة لتلك المجتمعات، ليستفيد منها إنسان الوطن، ومن ضمنهم مجتمعات الشعوب الأصلية والمتمازجة معهم، وتتسم الرواية بما تنادي به الكتابة للمستقبل، ببث ثقافة التسامح، وأنسنة المجتمعات إن جاز التعبير، عبر التكافل المجتمعي، والعلاقات الأسرية، والاهتمام بقضايا المرأة، والكبار، والصغار، والضعفاء، ومسائل التبني، ومحاربة الفساد، والحث على الإبداع، فالنص مليء بما هو غير متوقع، وتقنيات متنوعة لخدمة محاور الرواية.

• هل مازلنا نعيش عصر الرواية؟

- الكتابة بكل أنواعها مطلوبة دوماً، لفهم ما يدور في الحياة، وقراءة تفاصيل المجتمعات من السرد المكتوب، فجميع صور الإبداع المجسدة بواقعية أو متخيلة هي توثيق لما يدور بخلد المبدع ورؤاه، وتجسد شيئا من هواجسه، وهذا ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات، ودائماً الرواية في رأس هرم الإبداع الأكثر تعقيداً والأصعب في نسج التعبير، وهي الأكثر سمواً ودقة في وضع تفاصيل البيئة ودقائقها، وعليه لا غنى عنها.

منصة النقد

• ما رأيك في سيل الإبداعات الشبابية الموجودة الآن في كل الساحات الأدبية في العالم العربي، وهل تعتبر ظاهرة صحية للأدب؟

- الجوائز وشبكات التواصل والبرامج الإعلامية نشطت المشهد الثقافي، وهذا أمر جيد، ويجب أن تتاح الفرص لأصوات جديدة، كما يجب أن يكون عدد النقاد قادراً أن يوفي القراءات حقها وتناولها بشكل موضوعي، هذه الآلية ستسمعنا أصواتاً قد توافق تقديم وانتقاء المعروض بشكل موضوعي، مما يسهم في رفع ذائقة المتلقي، ودائماً يدور بذهني أمر: ماذا لو خصصت بدولنا منصات علمية متخصصة لدراسة وبحث تأثير ما ينشر من أعمال على مستوى الفرد والمجتمع وبشكل موضوعي، ربما سنكتشف البوصلة التي توجه هذه المجتمعات، وهل هي في مكانها الصحيح؟ من هنا ربما نبدأ التصحيح إن تطلب الأمر.

• ما مدى مواكبة الحركة النقدية لأعمالك؟

- ما أتيت به يعتبر جديداً على المشهد الثقافي من حيث المواضيع والتقنيات والأسلوب، بعض النقاد عبر أن هذا ليس ما عهدوه، ولكنه جيد ويستحق الدراسة، وبعضهم استخدم أدواته التي لا يعرف غيرها، والبعض استطاع أن يواكب ويقدم جماليات ما وجد، ويوجد نقاد كثر تناولوا نصوصي منهم: د. انشراح سعدي، ود. تحسين يقين، ود. صالح هويدي، وعيسى الحلو، وصلاح سر الختم، وصديق الحلو، وعمار المأمون، وعامر محمد، كما يوجد عدد جيد من الدراسات أجريت حول أعمالي من طلبة في الجامعات بمرحلتي الماجستير والدكتوراه.

هوية وطن

•ما بين الإمارات وكندا كانت الإقامة، إلى الاستقرار حاليا بالإمارات، ماذا أعطتك الغربة وماذا أخذت منك؟

- لست مثل الكثيرين الذين عاشوا ويعيشون على ذات الأرض، وذات الدار، والجيران، وزملاء الدراسة والعمل، الأمر مختلف كلياً لدي، وهذا الأمر ربما أصبح سمة حياة لعدد كبير من الناس، حياتي كلها مؤقتة، لأنها تعتمد على التنقل بين محطات بشكل متواصل، وهذا ربما تسميه الحياة مجازاً، في أي أرض عشت وكل دار سكنت وكل مجتمع أتيح لي التعامل معه وجدت ما يعزز تفكيري وعزيمتي بأن أواصل في مشروعي الأدبي، هناك دوماً الحنين إلى الوطن الأم، والحقيقة أكون هناك دوماً متى تسنى لي ذلك، أسرتي كما حال الكثير من الأسر السودانية متفرقة في دول المهجر، نتواصل ونجتمع كلما وجدنا فرصة لذلك، وتكون أجمل الأوقات حين تجمعنا أرض النيلين، نحن أجيال ألفت الغربة ولكنها تعتز بسودانيتها.

أرض النيلين

• ما مدى حرصكم على نقل الموروث الشعبي السوداني؟

- الثقافة السودانية من الثقافات القوية، لأنها نتاج حضارات عريقة، وكما هو معروف؛ فإن أرض النيلين أرض غنية بثرواتها الطبيعية، وغنية بالتنوع الثقافي، العلاقات الاجتماعية وسمات الشخصية السودانية مميزة بشكل يلحظه كل من يتعامل مع أهل هذه الثقافة، دون أن يطلب من المواطنين السودانيين في أي مكان، فكثير منهم يتمثل بأخلاقيات وقيم تجعله يشعر بالمسؤولية تجاه هذه الثقافة، حتى يكون سفيراً لها في أي حقل، فالسودان بموروثاته الثقافية حاضر في كل ما أُقدم، حيث أستقي الكثير من المواضيع والقضايا المتنوعة والتي أجدها ملحة بالتعاطي معها في وقتنا الراهن، على أن أسهم في وضع رؤى جديدة لهذه الموروثات توافق معطيات هذا العصر.

إعلام بديل

• هل أنت على اطلاع على الإبداعات الجديدة في السودان من حيث الرواية، والشعر، والفن التشكيلي، والغناء، وغيرها؟

- الحركة الثقافية في السودان دوماً نشطة، وأحرص على متابعة مسار الإبداع والجديد هناك، وأكتب في عدد من الصفحات الثقافية بصحف ومواقع بالسودان، عبر أعمدة اسبوعية، من ناحية أخرى أتابع ما يكتبه الزملاء، وأشاهد وأتابع عن كثب ما يقدم، نحن في عصر الإعلام البديل، حيث تيسرت سبل التواصل وتوافرت التطبيقات التي تقربنا من بعضنا ومتابعة وتبادل الأخبار، وفي زياراتي للسودان أحرص على حضور الفعاليات الأدبية والفنية والثقافية، بالإضافة إلى أن معارض الكتب تعطي فرصة جيدة للاطلاع على كل ما هو جديد، كما أنه في الإمارات توجد فعاليات للجالية السودانية تتيح أيضاً مساحة للتواصل والمتابعة.

• ما مشروعكم الشاغل حاليا؟

- أعد الجزء الثالث من الكتاب الفكري الثقافي «الكتابة للمستقبل»، كما أكتب في رواية تفاعلية مشاركة مع عبدالواحد ستيتو أسميناها «في حضرتهم»، ولدي رواية قيد النشر لليافعة بعنوان «آكينوش».

رصيد علمي وإبداعي

تحمل كتابة آن الصافي تيمة سردية تدمج فيها بين الأدب والعلم، ولم يقف حصولها على بكالوريوس هندسة كمبيوتر عائقاً أمام إبداعها، فهي إعلامية، ومحاضرة ومدربة في مجال الإدارة والتطوير المهني الاحترافي.

وهي من خريجي أكاديمية الشعر في أبوظبي، الدفعة الخامسة، وفي رصيدها الإبداعي كتاب من جزأين بعنوان «الكتابة للمستقبل»، وعدة روايات مزجت بين الخيال الأدبي والقضايا الفكرية بتقنيات سردية مبتكرة، ومنها: «فُلك الغواية، توالي، قافية الراوي، كما روح، إنه هو».