إن الاغتيالات لها تأثير مهم بحكم تعريفها، لأنها تنطوي على قتل شخص بارز لأغراض سياسية، ولكن ليست كل الاغتيالات تشكل نقاط تحول، فعلى سبيل المثال، كان من المحتمل أن تحدث الحرب العالمية الأولى، دون اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند. إذ كان المسرح جاهزا بالفعل لِما كان سيصبح الحرب العظمى، وكان من الممكن أن تندلع بسبب شيء آخر.

كما أنه ليس واضحا أن حادث اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، رغم أهميته، كان نقطة تحول تاريخية، إذ يقول البعض إنه لو كان على قيد الحياة لكان حد من المشاركة الأميركية في فيتنام، وهي حرب أدت على أيدي خلفائه في النهاية، إلى مقتل حوالي 58000 أميركي، ومن الواضح أنه لا يوجد سبيل لمعرفة ذلك، ولكن ما يمكن قوله بشيء من الثقة هو أن النظام السياسي الأميركي كان قويا بما يكفي بحيث لا يعتمد الاتجاه الواسع للسياسة الداخلية والخارجية على حد سواء على شخص واحد.

Ad

وعلى عكس ذلك، كان اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحق رابين، قبل 25 عاما على يد متطرف يهودي يميني بالتأكيد نقطة تحول في الشرق الأوسط، والسبب واضح: ربما كان رابين الزعيم الإسرائيلي الوحيد من جيله الذي كان يرغب في صنع السلام مع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكانت له القدرة على ذلك أيضا. لقد رأى الحاجة إلى حل وسط، وكان قويا بما يكفي لتحمل مخاطر محسوبة، وإقناع غالبية الإسرائيليين أنه من الحكمة القيام بذلك.

وفي المقابل، كان خصم رابين وخليفته، شمعون بيريز، يرغب في صنع السلام، لكن حماسه الشديد قوض قدرته على حشد الإسرائيليين المتشككين خلفه، وثبُت أن تردد رابين لا يقدر بثمن، إذ كان العديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين الذين نُصبوا لاحقا، بمن فيهم الرئيس الحالي، بنيامين نتنياهو، يمتلكون أوراق اعتماد متعصبة لعقد صفقة مع الفلسطينيين، لأن ريتشارد نيكسون المعادي للشيوعية تمكن من الاضطلاع بدور وسيط لتحقيق تقدم في علاقة أميركا مع الصين قبل نصف قرن. ولكن، على عكس نيكسون، كانوا يفتقرون إلى الرغبة في القيام بذلك بشروط كانت لها فرص في أن تحظى بالقبول.

وهذا لا يعني أن رابين كان سينجح لو عاش، إذ يحتاج صنع السلام إلى شيئين اثنين، فقد كان من حسن حظ نيلسون مانديلا- وجنوب إفريقيا- أن الرئيس إف دبليو دي كليرك كان شريكا يرغب في إنهاء الفصل العنصري، ويتطلب السلام قادة على استعداد للوفاء بالتزاماتهم، والحفاظ عليها. وليس من الواضح هنا أن رابين كان يرى في ياسر عرفات شريكا مناسبا، على الرغم من أنه من المثير للفكر أن رابين رأى في النهاية أن الأمر يستحق المحاولة، لأن عرفات وحده يمتلك سلطة عقد صفقة.

وما جعل رابين مميزا أيضا هو انفتاحه على التغيير، وبصفته وزيرا للدفاع الإسرائيلي من عام 1984 إلى عام 1990، فرض إجراءات صارمة على الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وقمع الاحتجاجات العنيفة، وكنت أعمل على قضايا الشرق الأوسط في البيت الأبيض في ذلك الوقت، وعندما تحديت رابين في حكمة القول إن إسرائيل ستكسر عظام المتظاهرين، أجاب قائلا: "ماذا تريد منا أن نفعل؟ أن نقتلهم؟".

وبالنسبة إلى رابين، كان الحفاظ على النظام ضرورة قانونية وسياسية، ولكنه كان أيضا واجبا أخلاقيا لتقليل الخسائر في الأرواح، وكان استخدام القوة غير المميتة هو النهج الصحيح بالنسبة له.

إلا أنه مع مرور الوقت، توصل رابين إلى أن القوة وحدها لن تنجح؛ وخلص إلى أن الحوافز السياسية والاقتصادية ضرورية أيضا، وفي ولايته الثانية في منصب رئيس للوزراء، قبل منظمة التحرير الفلسطينية شريكا تفاوضيا على الرغم من تاريخها الإرهابي، ووافق على اتفاقيات أوسلو 1993 و1995، التي أرست مسارا صُمم لتحقيق استقلال سياسي أكبر للفلسطينيين.

وكما نعلم، لم يتم تنفيذ اتفاقيات أوسلو بالكامل، فقد اغتيل رابين، وفشلت المحاولات اللاحقة للتفاوض على السلام، ومات عرفات، ولم تتحقق دولة فلسطينية.

وكل هذا مهم الآن بالنظر إلى التقدم الدبلوماسي الأخير بين إسرائيل بعض الحكومات العربية التي قررت، بدافع التهديد الإيراني، الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية والأسلحة الأميركية، وكان رد الفعل الفلسطيني متوقعا ومخيبا للآمال، إذ يبدو أن معظم الفلسطينيين لا يزالون غير مستعدين لقبول أن الطريق المفضي إلى دولة خاصة بهم لا يمر عبر جامعة الدول العربية، أو الأمم المتحدة، أو حتى واشنطن العاصمة، بل من خلال محادثات مباشرة مع إسرائيل.

ومع استمرار توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بدأ الوقت ينفد، ووافقت الحكومة الإسرائيلية على تأجيل ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لثلاث سنوات فقط، والسؤال هو ما إذا كان الجيل القادم من القادة الفلسطينيين سيكون، على غرار رابين، مستعدا لتقديم تنازلات من أجل السلام، وما إذا كان قادرا على ذلك.

ولكن سيكون من الحكمة أن يتعلم الإسرائيليون من رابين أيضا، إذ كان يعتقد أن إسرائيل يجب أن تظل يهودية وديمقراطية في آن واحد، وأدرك أن هذا يتطلب دولتين منفصلتين، والبديلان الوحيدان هما جعل الفلسطينيين مواطنين في إسرائيل (ومن ثم إنهاء الطابع اليهودي لإسرائيل)، أو حرمان الفلسطينيين من حقوق التصويت (ومن ثم إنهاء الطابع الديمقراطي لإسرائيل).

ولسبب وجيه، رفض رابين كلا البديلين، ولتكريم إرثه لن تكون هناك طريقة أفضل من إحياء عملية دبلوماسية تؤدي إلى إنشاء دولتين منفصلتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام.

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب "العالم: مقدمة موجزة"

"ريتشارد هاس*"