* عبر الرئيس ماكرون عن أزمة تعيشها العلمانية الفرنسية ويعيشها هو شخصيا، فقد امتلأ خطابه بنقض صريح لكل الشعارات التي زعمتها العلمانية واغتر بها العلمانيون العرب؛ مثل أهمية التعددية والقبول بالآخر وحرية الشعائر لكل الأديان، فقد صرح ماكرون في خطابه بكل ما ينسف هذه الشعارات، عندما قال: "الإسلام يعيش أزمة في كل أصقاع العالم" و"الأزمة التي يعيشها الدين الإسلامي تمسنا"، وهاجم "الوهابية والسلفية والإخوان المسلمين"، وهاجم "العودة إلى الإسلام في تونس"، وقال: "حاربنا الخلافة في الشرق"، وهاجم "الجمعيات التي تنشر الحجاب بين الفتيات في فرنسا"، وقال: "وضعنا خلايا لمحاربة الإسلاموية (كما أسماها) في جميع الأحياء الفرنسية"، و"نريد تعبئة في كل أنحاء فرنسا"، وهاجم "قيام بعض البلديات والجمعيات الأهلية بتقديم وجبات خاصة للمسلمين واستجابة بعضهم للمسلمات بتخصيص يوم لحمامات السباحة غير المختلطة"، وقال "سنراقب ونعاقب هؤلاء"، وقال: "سنفرض العلمانية واللائكية".

هكذا كان خطاب ماكرون الرافض للتعددية والداعي إلى تدمير الآخر وحرمانه من حقوقه بحجة علمانية الجمهورية، مع أن اللائكية تعني عدم تدخل الدولة في الدين مع المشهور عنها من عدم تدخل الدين في الدولة.

Ad

وماكرون ليس إنساناً جاهلاً كي يخلط بين التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية في حياة المسلمين مثل الحجاب والغذاء وحمامات السباحة وبين الإرهاب، ولكنه لمس انتشار التمسك بالإسلام لدى المسلمين الفرنسيين فأطلق عليهم تعبير الإسلاموية، واتهم جمعياتهم بالإرهاب والخروج على مبادئ الجمهورية لكي يجبرهم جبراً على الالتزام في حياتهم بالمظاهر العلمانية، مما يدل على أن ماكرون وعلمانيي فرنسا هم الذين يعيشون فعلاً أزمة أو عقدة حقيقية لا الإسلام المسالم الذي يُظلم الآن في فرنساً، وهي الأزمة نفسها التي يعيشها بعض العلمانيين العرب الذين تعاطفوا مع صحيفة شارلي إيبدو، ولم يتعاطفوا مع المسلمين الذين أهدرت حقوقهم باسم العلمانية حتى عنونت إحدى الكاتبات الكويتيات مقالها بعنوان "كلنا شارلي إيبدو".

أعتقد، وبإذن الله، أن المسلمين في فرنسا سيتمسكون أكثر فأكثر بدينهم، ولن تنجح حرب ماكرون العلمانية عليهم ومن المبشرات المشاهدة هي دخول رئيسة اتحاد طلبة جامعة السوربون البرلمان بحجابها في الأسبوع الماضي، فانزعجت وخرجت بعض البرلمانيات المحتجات فراراً، وكما نقول في المثل الشعبي: "إذا دخلت الملائكة من الباب خرجت الشياطين من الشباك"، وللأسف لم تحتج أي حكومة عربية على خطاب ماكرون عن الإسلام.

* منذ أن تلقيت خبر وفاة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وذاكرتي تعود بي إلى سنوات السبعينيات وإلى ذكرياتنا معاً، ففي عام 1974 حملتُ رسالة جوابية منه إلى بعض الطلبة المصريين في جامعة الإسكندرية بناء على طلب منهم يحذرهم، رحمه الله، فيها من خطر التكفير وجماعة التكفير والهجرة، وبعد التخرج عام 1975 كنا نجتمع في ديوانيتي في المنصورية كل أربعاء لإعداد المقالات للصفحة الدينية في صحيفة الوطن ليوم الجمعة، وكانت أشهر مقالات الشيخ فيها بعنوان (الخوارج المعاصرون) وذلك بمناسبة اقتحام جماعة جهيمان للحرم المكي، وبعد ذلك بفترة سافرنا يرافقنا الأخ محمد بن ناجي إلى الإمارات في رحلة كان فيها كثير من الدروس والمواعظ التي ما زالت مطبوعة في ذاكرتي وذاكرة الأخ محمد.

وبعد ذلك تعددت اللقاءات فبعضها كان في الدروس الشرعية وبعضها كان في المستشفى عندما مرض، وكانت اللقاءات في السنوات الأخيرة في جاخور الأخ عبدالله العساكر في كبد، حيث كان، رحمه الله، يقوم بشرح كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير.

ولا يفوتني أن أتذكر أيضاً بالذكرى الطيبة الشيخ عبدالرحمن السليم، رحمه الله، الذي توفي قبل أيام، حيث خصص كثيراً من وقته خارج أوقات العمل في وزارة الأوقاف للدروس الشرعية وأصول الدين الحنيف، وكان من المتصدين لفتنة التكفير بحكم تخصصه في علوم الشريعة، وكانت آخر محاضرة له في جمعية إحياء التراث عن الوسائل الشرعية في تغيير المنكر بمشاركة مع الشيخ ناظم المسباح والشيخ محمد الحمود حفظهما الله.

رحم الله الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق والشيخ عبدالرحمن السليم وغفر لهما وأسكنهما الفردوس الأعلى إخواناً على سرر متقابلين.