يحاول بعض المرشحين الوصول إلى المجلس بأي شكل وبكل طريقة، فيشارك في تصفيات مخالفة، وينشر الإشاعات ويغرد في الحسابات ويهاجم ويمدح ويتحالف ويعبر الدوائر ويرقص على كل الحبال، وهو لا يعلم أن صيغة النجاح واحدة، وأن بعض النجاح سقوط وبعض السقوط نجاح.

ورغم أن مثل هذه الأفعال والأقوال قد تكون مبررة جزئياً أو كلياً عند البعض بحسب الميول والرغبات والهوى، لكن السيئ في الأمر حين يتجاوز المرشح كل قواعد المسموحات، ويتدنى بمستوى المنافسة من خلال محاولة حيازة الأصوات بالشراء، وهو ما يُخرج العملية الانتخابية من مجرد محاولة غير مشروعة للفوز بالمقعد إلى محاولة لتدمير بعض قواعد القيم المجتمعية والخطوط الحمراء التي يُعتبر تجاوزها هدماً لمنظومة حقوق المواطنة وواجباتها.

Ad

وقبل أيام قرأت تغريدة لأحد المبدعين، وقد أجرى عملية حسابية لبيع الأصوات أثبت من خلالها إمكانية فوز (الشاري) بعضوية المجلس لأربع سنوات، وفوز (البائع) بخمسمئة دينار وقد قسّم المبلغ على السنوات الأربع ليكون نصيب البائع باليوم ربع دينار، كما سألت أحد الأصدقاء إن كان شارك في فرعية قبيلته قبل أيام فأجابني بالنفي، فقلت "أكيد خفت من كورونا"، ثم ذممت ممازحاً ضعف ولائه القبلي، فما كان منه إلا أن قال بأسلوبه الهجومي "قد نتقبل أن يخترق المرشح قانون التباعد لأنه سيفوز بمقعد، لكن ما خطب الناخبين الفرعيين يخترقون القانون ويصابون بالعدوى دون أن يكون لهم مصلحة؟"، ولأن "المعاريس اثنين والمجانين ألفين" فإن الخاسر الدائم في العملية الانتخابية الناخب المجنون، لأن النجاح بالانتخابات يشبه المشروع التجاري الذي لابد أن يكون للمنتجات فيه سعر وقيمة، ويكون السعر خاضعاً للقيمة دائماً، فحين تتدنى قيمة النجاح يتدنى معها سعر الناخب وهيبة النائب، ولذا فإن الكثير من التجار والوجهاء والأكاديميين إذا دخلوا المعترك الانتخابي يحاولون بشتى الطرق أن يفوزوا، لكنهم لا يهبطون إلى مستوى شراء الأصوات أبداً ليس لأنهم ذوو قيم، ولكن لأنهم يبحثون عن كرسي أكبر من أن يُشترى بالمال، إذ لا يرضى بالفتات إلا الجائع، وأي مجلس يزيد فيه عدد الأعضاء من أهل الفتات تتدنى قيمته وتقل إنجازاته، ويصبح مسلوب السلطة أو متنازلا عنها.

ولعل الفرعيات أو التشاوريات كما (يدلعها) البعض هي الأقل تخريباً للعملية الديمقراطية، إذ تتميز ببعض الديمقراطية الفئوية الخارجة على القانون بطبيعة الحال، وإن كانت تكرس النزعة الفئوية وتوجه الجهد النيابي لمصالح البعض على حساب الوطن، لكن هذه الفرعيات لا تساهم في انتشار ظاهرة شراء الأصوات أو تسمح بالتحكم في رغبات الطامحين للترشح.

في حين أن انتشار بعض الظواهر السلبية أخطر بكثير من الفرعيات، وقد تتساوى أو تقترب من ظاهرة شراء الأصوات، ومن هذه الظواهر إشاعة أجواء الترهيب لبعض المرشحين مثل أن نزول هذا المرشح يضر بفرص نجاح مرشح آخر من الفئة أو القبيلة أو الطائفة نفسها، دون أن يكون لهذا الضغط أي مسوغ حسابي يقنع المرشح بالتنازل للمرشح الآخر على أساس أن فرصة نجاحه حقيقية وفرصة نجاح "المرشح المضغوط عليه" معدومة، إنما هو مرض المصالح أو مرض الحسد فقط.

ومن هذه الظواهر أيضاً محاولة توهين المؤيدين للمرشح بسبب ترشحه في دائرة غير دائرته، وكأن الدستور أو القانون لا يسمحان بذلك، رغم أن مثل ذلك تكرر ويتكرر حتى بين النواب الناجحين، فصار كأنه عرفٌ لا يجرؤ على التصريح به إلا "مبتدئو الوجاهة"، الذين يبرزون هذه الأيام بشكل لافت كمرحلة انتقالية بين الوجاهة التقليدية القديمة والوجاهة المدنية القادمة خلال سنوات قليلة.