يشفق الكثيرون على دونالد ترامب اليوم، فهذا الرجل المسكين يحارب فيروس "كوفيد19" ويقبع في المستشفى، هو يفتقر إلى الرشاقة ويبلغ 74 عاماً ويقول كبير موظفي البيت الأبيض إن أعراضه "مقلقة جداً".

جو بايدن يصلي له، وكامالا هاريس ترسل له أطيب التمنيات، والرئيس أوباما يذكّرنا بأن المشكلة عامة ويجب أن نحافظ على صحة الجميع ، لكن ما الداعي للتعاطف مع واحد من أقل الرجال تعاطفاً في العالم؟ ربما يحصل ذلك من باب الاحترام بكل بساطة، فهو إنسان في نهاية المطاف ويبقى رئيس الولايات المتحدة.

Ad

مع ذلك، تبرز مظاهر متناقضة اليوم: سحبت حملة بايدن جميع الإعلانات التلفزيونية السلبية، لكنّ الإعلانات السلبية التي تروّج لها حملة ترامب لا تزال مستمرة. هل يمكن تخيّل الوضع لو التقط بايدن العدوى بدل ترامب؟ كان الرئيس سيتابع مهاجمته حتماً، فيعتبره ضعيفاً ومسنّاً، وكان ليسخر من إصرار بايدن على وضع القناع على وجهه وعدم استعداده لتنظيم تجمعات مباشرة مع الناس.

كيف يمكن التأكد أصلاً من إصابة ترامب بالفيروس؟ هو اعتاد على الكذب في جميع المواضيع. قد يظهر مجدداً بعد يوم أو يومين، فيبدو مسترخياً وسليماً ويقول إن "كوفيد19 لا يطرح مشكلة كبيرة". وقد يزعم أنه تلقى دواء الهيدروكسي كلوروكوين وشُفِي بفضله. ولا شك أنه سيتباهى بانتصاره في هذه "المعركة" لأنه قوي ونافذ، من دون أن يدين بصحته لأفضل رعاية طبية يستطيع المال شراءها.

في غضون ذلك، كانت "معركته" الصحية كفيلة بتحويل أنظار البلد عن تهرّبه الضريبي واكتفائه بدفع ضرائب بقيمة 750$ خلال أول سنة له في الحُكم ومبلغ شبه معدوم خلال السنوات الخمس عشرة السابقة.

يغفل الكثيرون في هذه الظروف أيضاً عن فشله كرجل أعمال لا يزال يخسر الأموال حتى الآن، وعن أدائه المحرج خلال مناظرة الأسبوع الماضي، حيث رفض إدانة المتعصبين البيض، حتى أن هذا الوضع يُنسي الناس السبب الحقيقي لخروج "كوفيد19" عن السيطرة في الولايات المتحدة: ترامب هو من فجّر الأزمة بسوء أدائه!

على صعيد آخر، كانت "معركة" ترامب ضد فيروس كورونا كافية لإلهاء الناس عن ممارساته هو وميتش ماكونيل لتشويه الديمقراطية الأميركية. يتجه ماكونيل راهناً للمصادقة على ترشيح إيمي كوني باريت للمنصب الشاغر في المحكمة العليا بعد منع التصويت لمرشّح أوباما في مجلس الشيوخ طوال سنة تقريباً على أساس "حُكم" ملفّق يعطي الرئيس المقبل الحق باتخاذ هذا القرار.

مع ذلك، لن يتكلم بايدن عن توسيع حجم المحكمة لتجديد توازنها وقد تخلى القادة الديمقراطيون عن هذه الفكرة كلها، مع أنها كانت ستسهم في استرجاع توازن المجمع الانتخابي الذي جعل ترامب رئيساً في 2016 رغم خسارته في التصويت الشعبي أمام هيلاري كلينتون بأكثر من 3 ملايين صوت.

يشعر الديمقراطيون بالقلق من اعتبار هذه الخطوة غير عادلة بنظر الرأي العام. لكن كيف يمكن اعتبار هذا القرار غير عادل إذا كان ترامب يرفض الالتزام بنقل السلطة سلمياً ولا يريد تقبّل النتائج ويزعم أن الانتخابات ستكون مزورة إذا فاز منافسه؟

يريد الديمقراطيون أن يتصرفوا بأسلوب لطيف ومحترم وأخلاقي وعادل بعد دخول ترامب إلى المستشفى أو رداً على مناوراته السياسية الكبرى، فهم يرغبون في حماية المعايير والقيم والمؤسسات الديمقراطية. إنه سلوك جدير بالثناء وهو يعبّر عن قيم الديمقراطيين.

لكنّ الطرف الآخر لا يطبّق قواعد اللعبة نفسها، وسيبذل ترامب وداعموه قصارى جهدهم للتمسك بالسلطة وتوسيعها. قد يكون التعاطف مع ترامب في هذه الفترة ممكناً، لكن يجب أن يدرك الجميع في الوقت نفسه أنه يُخضِع الولايات المتحدة لاختبار أخلاقي.

أي نوع من المجتمعات يفضّله هذا البلد: مجتمع مبني على الاحترام والديمقراطية أم على الشراسة والقوة الغاشمة؟

* «روبرت رايخ»