نحو تشريع أسري متصالح مع العصر

Ad

ذكرت سابقاً أن المشرع الخليجي لم يستطع مواكبة التغيرات المتسارعة في الميدان الاجتماعي، فبقي أسير الاجتهادات الفقهية القديمة في موقفه من حقوق المرأة والطفل وتنظيم أحكام الأسرة، ومازال ينتقص من مواطنيتها: يمنع حقها في تجنيس أطفالها، ويجعل الرجل قيماً على تصرفاتها.

كانت ملاحظتي الرئيسة أن المشرع الخليجي تبنى قاعدة (إعلاء ولاية الرجل على المرأة) وجعلها البنية التحتية لتشريعات الأسرة وكل التشريعات المتعلقة بالمرأة، ليؤكد أن ما يجمع التشريع الأُسَري الخليجي فلسفة تشريعية واحدة تقوم على (هيمنة الذكر على الأنثى)، وفِي مجتمع خليجي الذكورية فيه طاغية، سكاناً وثقافة، فإن هذه الفلسفة حكمت أفق التشريع الأُسَري (الفقهي والقانوني) وتغلغلت في مفاصله، وتمظهرت في مواده وأحكامه: كحق الطلاق، وتعدد الزوجات، واحتباس الزوجة مقابل النفقة وحظر خروجها وعملها وتعليمها وسفرها إلا بإذن الزوج ،وإلا عد نشوزاً يسقط النفقة ويستوجب التأديب، وكذلك انتصاف شهادتها، وديتها، وعضلها، وحق الولي المجبر في تزويج الصغيرات.

وحتى نرقى بالتشريع الأُسَري الخليجي ليواكب التغيرات الاجتماعية وليكون متصالحاً مع روح العصر، أقترح التعديلات التالية:

أولاً: تقييد حق الطلاق:

التشريع الخليجي، يجعل الطلاق حقاً سيادياً مطلقاً للزوج، لا ينازعه فيه أحد، استناداً إلى حديث واهٍ: "الطلاق لمن أخذ بالساق"، وهو إذا نطق بالطلاق: حالاً أو معلقاً على شرط أو مضافاً إلى مستقبل، وعلى أي وجه كان: قاصداً أو مخطئاً، ناسياً أو هازلاً، وقع استناداً لحديث "ثلاث جدّهن جد وهزلهن جد..."، وهو حديث لغو مناقض لمقاصد الشارع الحكيم وتشوفه لدعم استقرار الكيان الأسري وصيانته من التفكك لمجرد كلمة هازلة، فالطلاق في كتاب الله لا يكون إلا عن عزم وقصد وإرادة: "وإن عزموا الطلاق".

المطلوب اليوم من المشرع الخليجي، في ضوء تصاعد معدلات الطلاق الخليجي، السعي للحد منه وتحجيمه، وإلغاء كل صور الطلاق العبثية، فما بني على ميثاق غليظ لا يهدم بكلمة متسرعة، لذا ينبغي تقييد حق الزوج في الطلاق ليكون أمام القاضي وحضور شهود، مصداقاً لقوله تعالى: "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ".

ثانياً: الأم أحق بالحضانة مطلقاً:

لا أَجِد ظلماً أشد عل الأم الحاضنة، المطلقة في زهرة شبابها، إذا أرادت الزواج من تشريع ينزع أطفالها منها، استشهاداً بحديث: "أنت أحق به ما لم تنكحي"، وهو حديث قلق، تأباه عدالة الشريعة التي خصت الأم بثلاثة حقوق، ويتعارض مع مصلحة المحضون. ينبغي على المشرع تعديله ليكون من حق الأم الاحتفاظ بحضانة أطفالها إذا تزوجت.

ثالثاً: منع زواج القاصرات:

يجيز التشريع الأُسَري زواج الفتاة دون الـ16 سنة، بموافقة الولي وإذن القاضي، وهذه ثغرة قانونية وشرعية استغلت لتزويج الصغيرات والمتاجرة بهن، أنتجت أضراراً اجتماعية كبيرة واستجلبت انتقادات المنظمات الحقوقية.

رابعاً: حق الزوجة في إكمال التعليم والعمل والسفر المشروع مطلقا:

يجعل التشريع الخليجي هذه الحقوق مرهونة بموافقة الزوج وإذنه باعتباره القوام، وهذا إذا كان مناسباً لمجتمع الماضي، فلا أراه ملائماً لمجتمع خليجي معاصر، عمته مظاهر التحديث، وأصبحت المواطنة فيه شريكة للمواطن في التنمية. وللحديث بقية.

* كاتب قطري