أول العمود:

لا يمر حديث لمسؤول أو مفكر عربي حول الكويت إلا ويعرّج على تاريخ العمل الثقافي فيها، أتمنى هنا أن تصرف الحكومة الحالية المزيد من الجهد لهذا الرافد الذي أولاه الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، اهتمامه في مطبعة الحكومة أثناء ترتيبات إصدار مجلة العربي في الخمسينيات.

Ad

***

حياة الأمير الراحل صباح الأحمد، رحمه الله، السياسية حافلة بالأحداث المتلاحقة والمهمة، وهو من الشخصيات المثابرة التي لا تستسلم في أحلك الظروف، براغماتي يتمتع بصبر وأناة، متفائل مبتسم في كل الأحداث مهما بلغت قساوتها.

في الكلمات القليلة المتاحة لي سأركز على شيء لفت نظري كمواطن في وطن صغير، غني، ضعيف عسكرياً، ومحل طمع أطراف عديدة، فكل هذه الأوصاف لبلدي الكويت تتطلب بلا أدنى شك وريبة شخصية تواصلية، متفاعلة، ديناميكية، لا تركن لأحزان الماضي، ولا تتخذ من بعض الأحداث حتى المأساوية منها مواقف متصلبة أو قاطعة لحبل الحوار. في زمن رئاسته للشؤون الخارجية وسني حُكمه استشعر مخاطر مُحدِقة بالوطن، فلعب على خيوط التوازنات الإقليمية وسياسات دولها غير المواتية للمصالح الكويتية في بعض الأحيان، فصباح الأحمد صَرَف الكثير من الجهد والتفكير في أن تنجو الكويت– وهذا قدرها التاريخي– من مخاطر مقلقة، فهو لا يعادي أحد، فحتى من اعتدى على البلاد عام 1990بادل أهله المصالح والمواقف والرؤى لتحقيق الاستقرار، وهو من الداعمين لكل عمل تقريبي سلمي ومُهدئ، فكانت جهوده لسورية واليمن والعراق في مؤتمرات إغاثة وتصويب رعاها بنفسه. عندما تداعت جامعة الدول العربية بعد زلزال 1990، تعلق بأهداب مجلس التعاون الخليجي، منصة الأمن الخليجي الوحيدة لضمان التكاتف بين الأنظمة السياسية فيها، وكان حتى آخر لحظة يبذل الجهد من أجل إرجاع الأمور لنصابها، وهو رد فعل متوقع لشخصية ساهمت في بناء هذه المنظومة في بواكير ثمانينيات القرن الماضي والتي تعاني شرخا كبيرا اليوم!

بقاء الكويت سالمة في محيط سياسي عاصف ليس بالأمر السهل، وهذه مهمة تقع على الحاكم والشعب معاً، فالأمر يتطلب الكثير من الوعي.