في منتصف السبعينيات وبعد تخرجي من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، التحقت بوزارة الخارجية بدرجة ملحق دبلوماسي، وبعد دورة قصيرة في إدارات وزارة الخارجية عُينت في إدارة مكتب الوكيل، كانت وزارة الخارجية في عمارتين مؤجرتين تقعان في شارع السور قبل انتقالها إلى مبناها الحالي بالقرب من قصر السيف.

كانت إدارة مكتب الوكيل التي أعمل فيها تقع بالقرب من إدارة مكتب الوزير، فسنحت لي الفرصة برؤية وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد بشكل يومي تقريباً، وذلك عندما يصل إلى الوزارة صباحا أو بعد انتهاء الدوام عندما يتحلق حوله الصحافيون ليصرح لهم حول الأحداث المحلية والإقليمية والدولية وموقف الكويت حيال تلك القضايا.

Ad

بعد سنتين انتقلت للعمل في سفارة الكويت في العاصمة الهندية نيودلهي، وكانت أول تجربة للعمل خارج الكويت، وسعدت بلقاء الشيخ صباح عندما زار الهند أكثر من مرة في زيارات رسمية أو حضور مؤتمرات أو عندما رافق الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، طيب الله ثراه، لالتقائه برئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي التي قابلتها في منزل سفير الكويت لدى الهند، هناك تعرفت على الشيخ صباح، رحمه الله.

بعد عدة سنوات عُدت مرة أخرى إلى وزارة الخارجية، وعملت في إدارة مكتب الوكيل مرة أخرى لمدة سنتين، وانتقلت بعدها للعمل بإدارة مكتب الوزير، ولأول مرة ولمدة أربع سنوات، فكنت قريباً من الشيخ صباح، وكنت ألتقي به بين الفترة والأخرى لأقدم له البريد اليومي، وجدول المواعيد والاتصال بالمسؤولين في الدولة. في تلك الفترة عرفت شخصية ذلك الإنسان ذي الابتسامة والهدوء بالكلام، حتى مع موظف صغير حديث العهد بالعمل، فلم أسمعه يصرخ في حديث مع أحد أو يوبخ شخصاً، بل كان يتكلم بهدوء مع ابتسامته المعهودة.

وعند حدوث الغزو العراقي الغاشم على بلدنا الحبيب، كنت وقتها أعمل مستشارا في سفارتنا في القاهرة، فقد كان يأتي للقاهرة لحضور اجتماعات الجامعة العربية أو في زيارات رسمية لجمهورية مصر العربية، فكان أثناء الاجتماعات يدافع بقوة عن الحق الكويتي ويجري اتصالات مع نظرائه وزراء الخارجية العرب.

وأذكر في اجتماع لوزراء الخارجية العرب، وكان اجتماعا عاصفا، أنه كان، رحمه الله، يفند الادعاءات العراقية ويرد عليها، وأذكر أيضا المرافعة لوزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل الذي كان خير سند في الدفاع عن قضية الكويت العادلة، وقد أخرس الوزيران الأصوات التي تساند الموقف العراقي آنذاك. وعندما عينت سفيراً لأول مرة لدى دولة قطر كنت مرافقاً للشيخ صباح في اجتماعاته مع المسؤولين هناك، والدور الكبير الذي قام به، رحمه الله، عندما نشب خلاف بين قطر والبحرين وبين قطر والمملكة العربية السعودية، كان يقوم بدور الإطفائي بين الأشقاء. حضرت اجتماعات القمة عندما أصبح، رحمه الله، أميراً، كما رافقته في عدة زيارات رسمية، وكنت قريباً منه خصوصا في الطائرة الأميرية، وكان يحرص رحمه الله على أن يكون أعضاء الوفد موجودين معه لتناول وجبة الغداء في الطائرة.

وأثناء الزيارة الرسمية لا يبدأ بتناول وجبة الإفطار حتى يكتمل أعضاء الوفد الرسمي، ويجلسوا حول الطاولة، كان يتجاذب الحديث مع جميع أعضاء الوفد بغض النظر عن درجة أي شخص، وكان رحمه الله يتحدث بروح الفكاهة والمرح.

الحديث عن سموه، رحمه الله، كثير لا يسمح المجال لذكر مآثره وأعماله في خدمة الكويت، لذلك سأترك تفاصيل أعماله في كتابي القادم حول نشأة وزارة الخارجية والدور الكبير الذي أداه، رحمه الله، في السياسة الخارجية للكويت، ودوره في نشأة اتحاد الإمارات العربية ونشأة مجلس التعاون الخليجي ودوره كعميد لوزراء الخارجية في العالم. إن الحديث عن أميرنا الراحل، طيب الله ثراه، يطول ولا توفيه المقالات والكتب حقه، فأسأل العلي القدير أن يغفر لأميرنا الراحل ويرحمه ويسكنه فسيح جناته، وأن يعين الله أميرنا حضرة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح لتكملة مسيرة الخير لصالح الكويت وشعبها الوفي.

* أعتذر للقراء عن عدم كتابة المقالات في الأسابيع الماضية بسبب الوعكة الصحية التي أصابتني وأشكر كل من اتصل بي يسأل عن صحتي، والحمدلله أنا بخير وعافية.