لم يلقب نفسه بهذه الألقاب ولم يلقبه شعبه، بل من عاصره واحتك به من خبراء العالم، أولئك الخبراء العالمون بالنفس البشرية، وما تختلجه من رغبات ونزعات من الخير والشر، أحسوا بحبه للسلام ورغبته الكبيرة بفض النزاعات والخلافات بالمفاوضات والتشاور.

كان دائما يرى أن هناك أملاً يجب أن نجتهد ونصل إليه لحل النزاعات بالطرق السلمية بدلا من الحروب التي لا تخلف إلا العدوات والأحقاد، عقد مؤتمراً للمانحين لمساعدة الشعب السوري الذي حطمته الحرب الأهلية، وعقد مؤتمراً لإعمار العراق، وتناسى غزو صدام، وركز على أن العراق دولة عربية يجب الوقوف معها لإخراجها من محنها.

Ad

بعد الغزو العراقي ظهر اتجاه في مجلس الوزراء الكويتي بتسمية الدول التي ساندت الغزو العراقي بدول الضد ومقاطعتها، فعارض هذا الاتجاه ورفض مقابلة الإساءة بالإساءة، وفضّل لمّ الشمل العربي وتناسي الأحقاد.

ولن ننسى ما قام به من جهد لحل الأزمة الخليجية، فعلى الرغم من مرضه وتقدمه في السن، فإن ذلك لم يمنعه من مواصلة العمل لرأب الصدع الخليجي، ونتمنى من الأطراف احتراما لرحيله أن تدرس ما توصل إليه من مقترحات لحل هذه الأزمة، فلا يستفيد منها غير أعداء العرب ودول الخليج.

ليس بالإمكان حصر كل ما قام به أميرنا وحبيبنا الراحل من أعمال إنسانية جليلة في هذا المقال، فهذه يجب أن تترك لمجموعة من المؤلفين يضعونها في مؤلف تستفيد منه الأجيال القادمة، لكننا يجب أن نشير إلى أنه كان يطمح إلى أن يجعل الكويت مركزا ماليا عالميا، وأكد له الخبراء الذين استعانت بهم الكويت أن الكويت تملك كل الإمكانات لتحقيق ذلك الطموح، وأن مشروع مدينة الحرير وميناء مبارك من أهم الوسائل التي تساعد في ذلك، وسيضيف هذا المشروع موردا ماليا جديدا لخزانة الدولة، بدلا من الاعتماد على مورد واحد.

وليس من المستغرب أن نلمس في أميرنا الراحل تلك الصفات الجليلة التي جعلته يترك بلده مزدهراً ينعم بالأمان والاستقرار، وأبعده عن النزاعات والصراعات، فإنه ينحدر من أسرة نبيلة حكمت الكويت أكثر من ثلاثة قرون، وكل حاكم من هذه الأسرة يترك بصمات مفيدة ويأتي من بعده ليكمل هذه المسيرة.

لذلك أمل الشعب الكويتي كبير في صاحب السمو الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح ليكمل المسيرة ويحقق النهضة في بلادنا، فهو إنسان فاضل محب لربه ووطنه وشعبه، اللهم وفقه وارزقه البطانة الصالحة التي تساعده وتعينه على تحقيق ما يصبو إليه من خير.

رحل أمير الإنسانية والمحبة والسلام، وترك بصمات الخير في بلاده وكثير من دول العالم، هذه طبيعة الحياة "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"، و"كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، هذا ما كتبه الله لعباده، فكتب لنفسه الدوام ولمخلوقاته الفناء، وقال مخاطبا نبيه،"وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ* كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ". (الأنبياء: 34 - 35).

اللهم إن أميرنا وحبيبنا أصبح في دارك، اللهم أحسن استقباله، لقد ابتليته بالخير فمنحته المال الواسع والجاه الكبير، فتصرف بهما، كما نعتقد، بما يرضيك، فساعد الفقراء والمحتاجين، وحكم حكما عادلا استعان بالمستشارين والقضاة العادلين ليحكموا بين المتخاصمين بالعدل.

رحمك الله يا صاحب السمو وأسكنك فسيح جناته.