في حياة الأمم والشعوب شخصيات خالدة لا يطويها النسيان، مهما تعاقبت عليها السنون والأيام، حفرت اسمها بحروف من نور في قلوب شعوبها وبلادها. وقد كان «أمير الإنسانية» سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، واحداً من أهم الشخصيات التاريخية التي أثرت على شعوب العالم أجمع، واستطاع بحكمته ودبلوماسيته قيادة سفينة الكويت إلى برِّ الأمان لعقود طويلة، وسط موجات عاتية.

واليوم برحيله ترك غصة في القلوب، ولوعة في النفوس، يبكيه الفنانون، ويعدِّدون مآثره وأياديه البيضاء على الفن والثقافة والإعلام، فهو باني نهضة الكويت الحديثة. تحدثوا عن مواقف خالدة جمعتهم بسموه، وكيف كان يتابع البرامج والأفلام والمسرحيات، ويعرف الفنانين بأسمائهم، فجاءت كلماتهم تقطر حزناً وألماً على رحيله، وبايعوا سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، لاستكمال مسيرة الخير والعطاء والنماء، وإلى التفاصيل:

Ad

في كلمات مقتضبة، تحدَّث الفنان سعد الفرج، متأثرا: "رحم الله أبا الإنسانية، أمير الدبلوماسية الحكيم. التقيته كثيرا مع نخبة من الفنانين في مناسبات مختلفة، وكانت توجيهاته ووصيته لنا، هي الإخلاص في العمل، وخدمة الكويت، وتشجيعنا كفنانين لتقديم كل ما هو نافع للمجتمع، بكل أطيافه، وجميعها مواقف لا تُنسى".

وأضاف الفرج: "تمنياتي القلبية لسمو الشيخ نواف الأحمد بالتوفيق والسداد، وكلنا أهل الكويت نقف خلفه، لبناء نهضتنا الثقافية والفنية الشاملة".

من جهتها، قالت الفنانة حياة الفهد: "رحم الله أميرنا الراحل، فهو أبوالإنسانية والعطاء والحب. التقيت سموه عدة مرات، وكان كل لقاء يمثل سعادة كبيرة بالنسبة لي، فقد كنت أشعر أنني مع أب حنون يزرع فينا الأمل، ويدفعنا للعطاء. لن ننساه أبداً، رحمه الله ورحم كل حُكام الكويت السابقين، فقد كانوا صالحين رحماء بشعوبهم. فعلا إنها أيام حزينة، لكن الله عوَّضنا بخير خلف لخير سلف. نسأل الله أن يُسدد خُطى أميرنا الشيخ نواف الأحمد لما فيه خير البلاد والعباد".

بدوره، الفنان محمد المنصور، قال: "فقدت الكويت أمير الحكمة والإنسانية والعطاء والدبلوماسية، فقد كان رحمه الله أباً للجميع"، مشيرا إلى أنه التقى سموه عدة مرات عندما كان وزيراً للإرشاد والأنباء ووزيرا للخارجية، وجلس معه في مكتبه، "كان بسيطا متواضعا"، وذهب معه في الطائرة لحضور مراسم زواج سمو الشيخ عبدالله بن زايد، "فكان حديثه عذباً، وعندما توفي إخواني حضر العزاء".

وتابع المنصور: "في برنامج (تو الليل) على قناة الوطن قال لي سموه إنه ينام بين العاشرة والحادية عشرة مساء، إلا أن برنامجه جعله يسهر ليتابعه. كان من الشرف الكبير لي أن يتابع صاحب السمو برنامجي، وقال لي الشيخ علي الخليفة رئيس قناة الوطن إن صاحب السمو سعيد ببرنامجك، ويتابعه باهتمام، فكانت سعادتي لا توصف، رحمه الله".

وبعث المنصور برسالة إلى سمو الشيخ نواف الأحمد، أكد خلالها أنه وجميع الفنانين والمثقفين والشعب الكويتي يصطفون خلفه لقيادة الكويت، واستكمال مسيرة الخير والنماء والنهضة الشاملة.

صاحب أيادٍ بيضاء

وبمشاعر يعتصرها الألم، قال الفنان أحمد جوهر: "لا حول ولا قوة إلا بالله. فقد الوطن العربي رجلا حكيما من الطراز الأول، قدَّم خدمات جليلة للإنسانية كلها، وليس للشعب الخليجي أو العربي فقط. كان محبوبا وسخيا، وأياديه بيضاء على الجميع. التقيته كثيرا، تجده بشوشاً، يحب الفن والفنانين، و(يتغشمر) معهم".

وحول مواقف معينة يتذكرها، ذكر جوهر: "حضر سموه بروفات مسرحية (سيف العرب)، ثم حضر الافتتاح، وكنا في استقباله مع بوعدنان، الله يرحمه، وأعطانا بعض الملاحظات والتوجيهات، التي تدل على ثقافة عالية، وتطرَّق الحوار بيننا إلى الأفلام الأميركية والأكشن، واكتشفنا أن سموه يتابع هذه النوعية من الأفلام. لهذه الدرجة كان متواضعا، يتحدث معك كأنك صديقه منذ زمن بعيد، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته".

وعن رسالته لسمو الشيخ نواف الأحمد، قال جوهر: "أبناء مبارك الأحمد جميعهم مبروكون، ونتمنى له التوفيق والنجاح والصحة والعافية، ومتفائلون خيرا بسموه، فقد كان وزيرا للداخلية والدفاع، وهو رجل حكيم، ويملك من الخبرات ما يجعله يقود مسيرتنا إلى مزيد من النجاح والنهضة الشاملة".

من جهته، قال الفنان عبدالرحمن العقل: "لا نملك في هذا الموقف الأليم إلا أن ندعو لسمو الأمير الراحل بالرحمة والغفران، جزاء ما قدَّم من خير لكل شعوب العالم، فلا توجد كارثة حلَّت بشعب إلا وتجد صاحب السمو يبادر بإرسال المساعدات الإنسانية بجسر من الطائرات، فكل هذه الشعوب تدعو له الآن. فقدنا الأب الحكيم، الذي جنَّب الكويت الكثير من المشاكل بحكمته وقيادته".

وحول المواقف التي جمعته بسموه، أوضح العقل: "كنا نلتقيه في واجب العزاء للأسر الكويتية، ويسلم علينا، ويحثنا على تقديم الفنون الراقية الجميلة التي ترفع اسم الكويت، كما كنا نلتقيه كوفود فنية، فنسعد بهذه اللقاءات، التي تدفعنا لمزيد من العطاء لديرتنا الحبيبة".

وأضاف: "إذا كنا ننعى سمو الأمير الراحل، فإننا في الوقت نفسه نبارك ونبايع صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد، نسأل الله أن يوفقه، ويُسدد على طريق الخير خُطاه، والكويت في أمان ومحفوظة بإذن الله".

بدوره، أكد حسين المنصور أنه برحيل "أمير الإنسانية" خسرت الكويت والأمة العربية رجلا عظيما أعطى لبلده لعقود طويلة إنجازات لا حدود لها.

وعن المواقف التي جمعته بسمو الأمير الراحل، قال: "كنت أود مكالمته والتحدث معه، فقالوا لي اطلبه في التلفون، فقلت سترد السكرتارية، ولن أصل إليه، قالوا لا اطلبه سيرد عليك، وعندما جرَّبت الاتصال به فوجئت بسموه يرد عليَّ مباشرة في تواضع وأدب جم، وعندما قلت له أنا حسين المنصور، قال أخو محمد المنصور وعيال المنصور، قلت: نعم، قال والنعم فيكم، إخوة وأبناء أعزاء، فكانت سعادتي لا توصف بهذه المكالمة التي أعتز بها، رحمه الله".

وأردف المنصور: "نبايع صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد أميرا للبلاد، فهو خير خلف لخير سلف، وستواصل الكويت في عهده مسيرتها المباركة، وتستكمل نهضتها".

قائد حكيم

من جهته، الفنان محمد العجيمي، قال: "رحل الأب، صاحب القلب الطيب، القائد الحكيم، أمير الإنسانية، رجل المواقف، الذي سيبكيه كل المسلمين والعرب، فرحيله خسارة كبرى".

وحول المواقف التي جمعته بسمو الأمير الراحل، ذكر العجيمي أنه التقى سموه في كثير من مناسبات العزاء، فقد كان مجاملا، ورغم مشاغله لا يتأخر أبداً عن الواجب تجاه أبنائه من شعب الكويت، كما التقاه عندما كان وزيرا للخارجية ورئيسا لمجلس الوزراء، "كان متواضعا بشوشا يعرفنا بالاسم، كأنه صديق لنا، وهو بالفعل كان أباً لنا جميعا".

وحول الرسالة التي يوجهها لصاحب السمو الشيخ نواف الأحمد، قال العجيمي: "إن سموه خير خلف لخير سلف، ووالد للجميع. اللهم وفقه، وسدد خُطاه، فقد تتلمذ على يد الأمير الراحل جابر الأحمد، وكذلك الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، ولديه من القدرات والخبرات ما يجعله يقود سفينة الكويت إلى برِّ الأمان دائما، ونسأل الله أن يرزقه البطانة الصالحة، ونحن نبايعه على السمع والطاعة، ونؤيده لحمل راية الكويت".

شخصية تاريخية

المخرج عبدالله عبدالرسول، قال: "برحيل (أمير الإنسانية) فقدت الكويت شخصية تاريخية لا تتكرر، رسخت مبادئ السلام والعمل السياسي والدبلوماسي لعقود طويلة، وضعت الكويت - على صِغر مساحتها - في مقدمة دول العالم المُحبة للسلام والتسامح".

وتابع عبدالرسول: "كان الداعم الأول لنا في المجالات الفنية والثقافية والإعلامية حينما كان وزيرا للإرشاد والأنباء، حيث وضع اللبنات الأولى لنهضة ثقافية وفنية وأدبية شاملة أحدثت نقلة نوعية، كذلك حقق نهضة المسرح، واضعا الأسس التي ساعدت على تطوره، فقد كان مجيء الفنان الكبير الراحل زكي طليمات مطلع الستينيات بناءً على توجيهاته، لتشهد الكويت نهضة مسرحية، وتأسست الفرق الأهلية المسرحية، التي لا تزال تعمل بالساحة الفنية حتى يومنا هذا".

وحول إنجازاته الكبرى، أوضح عبدالرسول: "أنجز سمو الأمير الراحل مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وهو تحفة فنية معمارية، كما تم في عهده تأسيس مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي".

وعن المواقف التي جمعته بسموه، قال: "التقينا سموه كوفد من مسرح الشباب أو جمعية الفنانين الكويتيين أو الفرق الفنية التي تقدم الأوبريتات الوطنية، فكان يوجهنا لمزيد من الأعمال الوطنية، التي تساهم في التنوير، وتحافظ على الكويت وشعبها، كما وجهنا بإثارة القضايا الوطنية التي تعالج المشاكل المجتمعية، ويكون لها أثر في حياة الكويتيين".

وأكد عبدالرسول أن "الكويت ستمضي في مسيرتها المباركة قُدماً إلى الأمام، وكلنا جنود خلف صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد، ولن تتوقف رحلة العطاء والإنسانية لشعوب العالم".

بدوره، قال الفنان أحمد الشطي، رئيس مجلس إدارة المسرح العربي: "رحم الله سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، الذي قدَّم للحركة الفنية والثقافية والإعلامية الكثير، وشهدت في عهده قفزات نوعية سيسجلها التاريخ بحروف من نور، وأصبحت الكويت من الدول الراعية للسلام، فقد كان حكيم العرب، وهذا اللقب لم يأتِ من فراغ، بل من المواقف التي شهد لها العالم، وامتدت مساعداته إلى كل بقاع الدنيا، فلا توجد دولة إلا وتذكر الكويت بكل خير".

وأضاف الشطي: "كلنا أمل في صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد في استكمال مسيرة العطاء والنهضة، وتحقيق قفزات جديدة للكويت في كل مناحي الحياة، فالكويت صغيرة بمساحتها كبيرة بعطائها".