يظن بعض المراقبين أن التطور الحاصل في العلاقات بين بنغلادش والصين يأتي على حساب الروابط التي تجمع بنغلادش والهند، لكن لا يمكن فهم حقيقة ما يحدث إلا عبر تحليل العلاقات القائمة من وجهة نظر أوسع، وفي هذا الشأن يقول شهاب إنعام خان، أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جهانجيرناغار": "ما يحصل في المنطقة تغيير منطقي، وهو يتوقف على المصالح الوطنية والضرورات الجيوسياسية، يجب أن تكثّف بنغلادش تركيزها على مصلحتها الوطنية ونموها الاقتصادي وتتابع إقامة علاقات مثمرة مع جميع البلدان في مختلف المناطق لتحقيق هذا الهدف".

لكن ثمة مؤشراً واضحاً أيضاً على نزعة نيودلهي إلى المبالغة في حماية علاقاتها مع بنغلادش في الأشهر الأخيرة.

Ad

في ظل التوتر القائم بين الهند والصين في شرق "لاداخ" وغداة حصول مناوشات مع الجيش الصيني في منتصف يونيو الماضي ومقتل 20 جندياً هندياً وتصاعد التوتر مع نيبال، وجدت الهند نفسها معزولة عن الدول المجاورة لها. يتعلق السبب جزئياً بتوسّع النفوذ الصيني في المنطقة، ونظراً إلى وفرة الرهانات التجارية والسياسية في بنغلادش، توقعت نيودلهي أن تحظى بدعم دكا في صراعها المتواصل مع الصين، لكن فوجئت الهند بامتناع بنغلادش عن الانحياز إلى أي طرف، فاتخذت موقفاً حيادياً ودعت إلى عقد تسوية سلمية حول المسائل الخلافية، ونتيجةً لذلك يظن سفير بنغلادش السابق لدى الولايات المتحدة، همايون كبير، أن الهند أصبحت أكثر حساسية في تعاملها مع البلدان المجاورة لها منذ شهر يونيو.

لكن تزامناً مع تنامي النفوذ الصيني في البلدان المجاورة للهند، هل تثبت زيارة وزير الخارجية الهندي هارش فاردان شرينغلا الأخيرة إلى العاصمة دكا خوف نيودلهي من خسارة جيرانها لمصلحة الصين؟ الوضع مختلف برأي خان، إذ يعتبر هذا الأخير التجارة والتنمية من المسائل الأساسية التي تهمّ الدول المجاورة للهند أكثر من المخاوف الأمنية على الحدود: "لا تتعلق المسألة الفعلية بخسارة نيودلهي أمام أي بلد آخر، بل يجب أن يحصل تنسيق بين الاقتصاد والسياسة الخارجية في الهند والحاجات الجوهرية للبلدان النامية". لكن رغم استبعاد حصول تباعد بين دكا ونيودلهي، لاحظ الخبراء تغييراً في تعامل الهند مع بنغلادش. بدءاً من يونيو، عدّلت الهند موقفها من قضية جماعة الروهينغا، وبدل اتخاذ موقف حاسم لمصلحة ميانمار، تدعو الهند اليوم إلى معالجة مخاوف بنغلادش بشأن تلك الجماعة، فهذا الحدث ليس فردياً برأي الخبراء، بل إنه جزء من السياسة الخارجية الهندية المتبدلة تجاه بنغلادش. هل تغيرت الهند فعلاً وتعلّمت درساً مفيداً من طريقة تعاملها مع نيبال؟ وفي هذه الحالة، هل تستطيع بنغلادش أن تضغط على الهند لدفعها إلى التوقيع على اتفاق بشأن نهر "تيستا" وإنهاء الخلاف القديم بين البلدين؟

يقول همايون كبير: "حين يتعلق الموضوع بدولتَين مجاورتَين تربطهما علاقة متعددة الطبقات والمستويات، يجب أن يراعي كل طرف أولويات الطرف الآخر وحاجاته وتوقعاته، ويجب أن يتعايشا معاً أيضاً، فهذا هو واقع الحياة، وسيتحسن وضع البلدين إذا نجحا في تحسين علاقتهما الثنائية".

لكن ماذا عن المستقبل؟ في ظل توسّع العلاقات التجارية مع الصين، هل تستطيع بنغلادش أن تتكل على بكين؟ هذه الأسئلة لا تثير قلق خان لأنه يظن أن بنغلادش لا تتقرب من أي بلد: "تبقى بنغلادش أكبر شريكة تجارية للهند في جنوب آسيا، وتؤثر الصين بالقدر نفسه على الاقتصاد في بنغلادش والهند معاً".

مع ذلك، لا يمكن تجاهل مخاوف الهند ونزعتها المفرطة إلى حماية علاقاتها مع بنغلادش، فهل تشعر نيودلهي بالقلق بسبب سلوك معيّن تتبناه دكا؟ يقول كبير: "قد تحصل هفوات عرضية أو تنشأ ثغرات من وقتٍ لآخر، وعلى غرار جميع العلاقات بين البشر، من الطبيعي أن تشهد العلاقات بين الدول تقلبات مستمرة، لكن يجب ألا نغفل عن المشهد العام عند تحليل هذه المسائل".

* معصوم بالله*