أصدرت وكالة التصنيف الائتماني «موديز»، في 22 سبتمبر 2020، تقريراً يتضمن تخفيض التقييم السيادي من (Aa2) إلى (A1)، مع الاستمرار في تصنيف «مستقر» للآفاق المستقبلية، علماً بأن تقرير 30 مارس 2020 قد أشار إلى وضع تقييم الآفاق المستقبلية لإعادة التقييم باتجاه الخفض، وهو ما تم، وقد بررت الوكالة هذا التخفيض بعدة أسباب منها:

(أ) مخاطر السيولة الحكومية لغياب التفويض بإصدار قروض سيادية وغياب إمكانية النفاذ لصندوق الأجيال القادمة.

Ad

(ب) ضعف الإطار المؤسسي والعلاقة بين مجلس الأمة والسلطة التنفيذية.

(ج) ضعف السياسة المالية في الاستجابة للصدمات النفطية.

(د) تنامي الإنفاق الجاري بنسبة 20% تراكمياً منذ السنة المالية المنتهية في مارس 2016، رغم الوعود الحكومية السابقة بخفض الإنفاق العام، حيث ارتفع الانفاق للسنة المالية 2020/2021 بنحو 1.6%، وذلك في ظل تراجع الإيرادات العامة بنحو 56%.

وفي هذا السياق، قالت الجمعية الاقتصادية الكويتية، في بيان صحافي، إن أسباب المحافظة على تصنيف الآفاق المستقبلية ضمن تقييم «مستقر» يعود أساساً إلى ضخامة الأصول السيادية، والتي تقدرها الوكالة بنحو 359% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية 2019/2020، بالإضافة إلى الدخول من الاستثمارات الخارجية.

وأشار البيان إلى الاعتبارات الاجتماعية والحوكمة والبيئة العامة السائدة، وتطرق هنا إلى التحول العالمي المرتبط بانخفاض الاستهلاك النفطي، وما ينتج عن ذلك من ضغوط محتملة على المصدّات المالية المتاحة للدولة مستقبلاً، بالإضافة إلى ضغوط التنامي السنوي في أعداد قوة العمل الكويتية الداخلة لسوق العمل، الأمر الذي يزيد الضغوط على الإنفاق العام إلاّ في حالة تمكن القطاع الخاص من استيعاب المزيد من هذه العمالة.

وأشار البيان إلى العوامل، التي من شأنها أن ترفع من التقييم السيادي مستقبلاً، منها:

(أ) تعزيز اعتبارات الحوكمة المؤسسية (مثل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية).

(ب) تنويع الإيرادات رغم صعوبته في الأجل القصير، كما حذّر التقرير بإمكانية المزيد من التخفيض السيادي مستقبلاً في حالة استمرار الضعف المالي الحكومي خلال الأجل المتوسط بفعل ارتفاع المديونية الحكومية الناجمة عن عدم القدرة في تنفيذ الإصلاحات المالية واستمرار التدهور الهيكلي للأسعار النفطية.

بعد ذلك أشار التقرير إلى أن الدولة بحاجة الى حوالي 27.6 مليار دينار (أو نحو 90 مليار دولار) لتمويل الانفاق الحكومي خلال الفترة الحالية ومارس 2024، وإن إجراءات تطبيق ضريبة القيمة المضافة كما أشار التقرير يمكن أن ترى النور بين عامي 2022 و2023 وليس عام 2021 وفقا للمؤشرات السابقة، وفي ظل عدم تلمس إجراءات إصلاحية ذات قيمة بعد 2014 – 2016، وفي ظل تدهور أسعار النفط فإن التقرير يتوقع عجزا مالياً يبلغ 13.7 مليار دينار (38% من الناتج المحلي الإجمالي) العام الحالي، مع توقع الوكالة لانخفاض العجز السنة القادمة بسبب توقعات تحسن أسعار النفط وارتفاع الإنتاج النفطي أساساً.

وأوضحت الجمعية الاقتصادية الكويتية أن تنبيه هذا التقرير للمخاطر الاقتصادية التي نواجهها حالياً والتي سوف نواجهها مستقبلاً في ظل المعطيات الحالية، هو ليس بالأمر الجديد، إذ سبق أن نبهت تقارير التصنيف السيادي وغيرها العديد من التقارير ذات العلاقة إلى أهمية أخذ الإصلاحات الاقتصادية وليس المالية فقط بالجدية التي تستحقها. ورغم متانة الأصول السيادية للدولة حالياً المشار اليها أعلاه (359% من الناتج المحلي الإجمالي) وارتفاع نسبة الاحتياطيات للواردات (حوالي 118%)، وانخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج (حوالي 16.2% حاليا)، وانخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية (CDS)، فإن ذلك يمكن أن يتبخر وبشكل متسارع، في حالة على سبيل المثال لا الحصر:

- استمرار الإنفاق العام بنفس الاتجاه التاريخي.

- وفي حالة استمرار التغيرات الهيكلية لغير صالح الطلب النفطي التاريخي.

- وفي حالة استمرار نزيف الباب الأول من خلال الرواتب والأجور العامة والدعم (الذي يذهب في حالات ليست بالقليلة لغير مستحقيه).

- وفي حالة استمرار التلكؤ والتردد في الإصلاحات المؤسسية، وعلى رأسها الإدارية، لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والاتفاق على عقد اجتماعي يعيد فصل السلطات بشكل يخدم الإصلاح.

- وفي حالة عدم الاتفاق على أهمية إعادة تعريف دولة الرفاه لمصلحة الاستمرار بالحماية الاقتصادية والاجتماعية لذوي الدخل المحدود، وتحميل ذوي الدخل المرتفع بما يجب تحمله من أعباء الإصلاح (سواء على شكل ضريبة أرباح الشركات أو إعادة تسعير أملاك الدولة على أسس أقرب لأسعار السوق، والمحاسبة الاقتصادية لاستخدام المنافع العامة وعلى رأسها الكهرباء والماء).

وقال البيان إن أي اصلاح اقتصادي للمالية العامة للدولة للحدّ من العجز (من خلال الاقتراض أو السحب من الاحتياطي العام أو مبادلة الأصول بين صندوق الأجيال القادمة والاحتياطي العام) سيكون ذا إطار قصير الأجل ما لم يكن نتاج إصلاح مؤسسي شامل، يرافقه اصلاح اقتصادي شامل قائم على تنويع الصادرات غير النفطية وبشكل مستدام، وإن الإصلاح الاقتصادي المطلوب لا يجب أن يقترن بإصلاح الميزانية العامة للدولة فقط بل بإصلاح الخطط الاقتصادية، ومجالات الاستثمار بالقطاع الخاص وبيئة الاستثمار، ودور فعّال للاستثمار الأجنبي المباشر المنتج، كما أن أغلب بنود الميزانية العامة للدولة لا تتحدد داخل وزارة المالية بل خارجها، فلا يمكن خفض الأجور العامة بدون وجود بديل على شكل أجور خاصة، ولا يمكن تقليل الاعتماد على الايرادات النفطية (واستمرار السحب من الاحتياطي والاقتراض) بدون وجود لوعاء ضريبي غير نفطي ضخم (على شكل ضريبة على الشركات، وضرائب غير مباشرة، ورسوم) يتم بناؤه من خلال استثمارات خاصة ضخمة وذات طبيعة منتجة موجه أغلبها للصادرات.

وشدد: لا تفتقر دولة الكويت إلى برامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، فهناك العديد من الوثائق الاقتصادية، ذات المقترحات العملية، الهادفة إلى محاربة الاحتكار ودعم النشاط الصناعي الموجه للصادرات وترشيد الواردات لصالح الإنتاج المحلي من خلال ايجاد قطاع خاص محلي/أجنبي يتسم بالتنافسية ويحارب الاحتكار، ويعمل ضمن قانون (مستقل) جديد للتنافسية، وإن عدم اصلاح جذري للعمل الحكومي والقطاع العام وإصلاح موازٍ ينتج عنه ربط الدعم الموجه للقطاع الخاص بمدى تنافسية هذا القطاع ونجاحه في اكتساب المزيد من حصص السوق محلياً وإقليمياً ودولياً، كما أن فرص الاستفادة من المناطق الاقتصادية الحرة ما زال خياراً عملياً يحتاج إلى وضوح في تحديد الأولويات القطاعية لمجال عمل هذه المناطق والتعاون والتكتل الإقليمي لتفعيل عمل هذه المناطق.

ودعا إلى تبني التوصيات الجادة المقدمة من الجمعية الاقتصادية الكويتية سابقاً، والتي دعت إلى ضرورة إحداث ثورة في حوكمة المؤسسات والهيئات الحكومية، كتلك التي حدثت في القطاع المالي بعد ظهور هيئة أسواق المال لتحقيق بيئة خالية من الفساد، وتبني برنامج عمل لصياغة سياسات الاصلاح الإداري في القطاع العام وقواعد الحكم السليم القائم على قياس الأداء بمعايير محددة.

وختم البيان: ما زال هناك متسع للإصلاح بالمعنى المشار إليه أعلاه، وإن التضحية الحالية بخيارات الإصلاح المتاحة حالياً سوف يترتب عليها نتائج قاسية تمس استمرار الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وتجعل من تنبي خيارات الإصلاح، مستقبلاً، أمراً قد لا يكون متاحاً.