أشاد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط د. أحمد المنظري بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الكويت منذ بداية جائحة «كوفيد 19»، مؤكداً أن السلطات الصحية طبقت تلك الإجراءات في ضوء تقييم علمي للمخاطر.

وذكر المنظري في حوار مع «الجريدة» أن الكويت، منذ بداية الأزمة، قامت بتعزيز الترصُّد الفعَّال، وتطبيق التحرِّي عند الدخول على جميع المسافرين القادمين من البلدان الموبوءة، وتدريب العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية، وتتبُّع المُخالطين وعزلهم في الحجر الصحي، وعزل حالات الإصابة المؤكدة وتدبيرها علاجيًا، وتوعية العامة.

Ad

وأضاف أن المنظمة تخطط لعمليات شراء اللقاح لكي تؤمن احتياجات البلدان ذات الدخل المنخفض، مؤكدا أن جميع دول إقليم شرق المتوسط تبدي اهتماماً كبيراً بمستجدات تطوير لقاحات مضادة لفيروس «كورونا»، والكويت من الدول المهمة في الإقليم ومؤثرة في المحيط الخليجي والإقليمي والعالمي.

وأعلن أن الترتيبات لافتتاح مكتب دائم لـ«الصحة العالمية» داخل الكويت تسير قدماً، مشيرا إلى «أننا نخوض حالياً نقاشات مع فريق المنسق المقيم للأمم المتحدة حول تفاصيل تتعلق بالمساحة والموقع داخل مبنى الأمم المتحدة والجدول الزمني لتوظيف العاملين».

وأضاف أن وجود هذا المكتب يعزز العمل المشترك بين المنظمة والكويت كبلد عضو وشريك داعم، كما يعطي فرصة أكبر لتطوير برامجنا الصحية هناك. وفيما يلي الحوار:

● بداية كيف تقيمون تعامل الكويت في مجابهة «كوفيد- 19»؟

- أهم ما يميز الإجراءات الاحترازية التي طبقت مع بداية الجائحة ولايزال بعضها سارياً في الكويت أنها اتخذت في ضوء تقييم علمي للمخاطر أجرته السلطات الصحية، للتعرف على الوضع القائم، ولتحديد الاحتياجات الواجب تلبيتها والفجوات المطلوب رأبها على نحو أفضل.

وبناء على نتائج هذا التقييم قامت الكويت، منذ بداية الأزمة، بتعزيز الترصُّد الفعَّال في جميع نقاط الدخول إلى البلد والمستشفيات والمراكز الصحية، وتطبيق التحرِّي عند الدخول على جميع المسافرين القادمين من البلدان الموبوءة، وتدريب العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية، وتتبُّع المُخالطين وعزلهم في الحجر الصحي، وعزل حالات الإصابة المؤكدة وتدبيرها علاجياً، وتوعية العامة.

ونأمل مع رفع القيود وفتح الحدود واستئناف حركة النقل والطيران وتخفيف الإجراءات، الذي تم في بلدان عديدة من بينها الكويت، أن تتواصل جهود اكتشاف الحالات واختبارها ومتابعة المخالطين ومعالجة الجميع، كما نأمل أن يستمر التوجه الملتزم والانضباط في تطبيق الإجراءات والتدابير الوقائية على كل الصعد، وإشراك المجتمعات في الاستجابة في إطار من التوعية والمعارف.

تحولات زلزالية

● ما الدروس المستفادة للنظم الصحية بالإقليم من أزمة «كورونا»؟

- لقد كشفت مراجعة واستعراض 6 أشهر من استجابة «فريق دعم إدارة الأحداث» لجائحة كوفيد-19 في إقليم شرق المتوسط أن الجائحة طغت على أنظمتنا وقطاعاتنا الصحية وغير الصحية، وأحدثت تحوّلات زلزالية في مجتمعاتنا. وخلال هذه الأشهر، تأكدنا من أهمية وجود منصة لجمع طاقاتنا وتحديد أولويات عملنا واتباع نهجٍ مبتكرٍ يركّز على البلدان، وأطلقت مبادرة على هذا الصعيد لتعزيز البحوث على الصعيد القطري.

وقدم التقرير الصادر عن المجلس العالمي لرصد التأهب بعنوان «عالم تسوده الفوضى»، تقييماً نقديًا للاستجابة العالمية للجائحة، واعتبر أن العالم لا يمكنه تحمّل إهمال الاستعداد مرة أخرى لأي جائحة، وبالتالي ينبغي اتخاذ 5 إجراءات عاجلة لإخراج النظام من الكارثة والفوضى التي تواجه العالم حاليًا وهي: القيادة المسؤولة والمواطنة الملتزمة، والنظم القوية والمرنة للأمن الصحي، والاستثمار المستدام، والحوكمة العالمية القوية للتأهب.

ولاشك أن الجائحة اختبرت التأهب العالمي أكثر من أي وقت مضى. ولا بديل عن الاستفادة من الدروس المستقاة من هذه الجائحة حتى لا تصبح الجائحة القادمة، في حالة وقوعها، أشد ضررًا.

لقاح «كوفيد 19»

● ما دور إقليم شرق المتوسط في السباق العالمي من أجل لقاح «كورونا»؟ وهل هو لقاح القادرين فقط؟

- جميع دول إقليم شرق المتوسط تبدي اهتماماً كبيراً بالمستجدات المتعلقة بتطوير لقاحات مضادة للفيروس، وهناك بلدان عدة شاركت في تجارب التضامن من أجل الوصول للقاح. كما أبدت بلدان عديدة اهتماماً بمبادرة كوفاكس المتعلقة بإتاحة اللقاحات للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. ومؤخراً بدأ الأردن تجربة المرحلة الثالثة من أحد لقاحات فيروس كورونا التي طورتها الصين، كما بدأت مصر في استقبال متطوعين لتجارب المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لاثنين من لقاحات فيروس كورونا الصينية، وذلك بمشاركة 6000 متطوع. هذا إلى جانب الإمارات والبحرين اللتين تبذلان جهوداً ملحوظة في هذا الاتجاه.

والحقيقة أن جائحة «كوفيد-19» كشفت مدى احتياجنا للاستثمار في قدرات تطوير اللقاحات على الصعيد الإقليمي والوطني والبناء على ما هو قائم حالياً، والاستفادة من الدروس التي تقدمها لنا إدارة الجائحة.

أما عن عدالة توزيع اللقاح عند الوصول إليه، فإن «الصحة العالمية» تتدخل لضمان توفير حصص معقولة لكل بلد، خصوصا البلدان التي تعد الأكثر احتياجاً، وربما تكون الأقل قدرة على ضمان الحصول على احتياجاتها. ومن الآليات المفيدة في هذا الصدد تحديد الفئات ذات الأولوية القصوى مثل العاملين الصحيين في كل بلد والفئات الأكثر عرضة للإصابة مثل المتعايشين مع أمراض مزمنة وكامنة. نعلم أن التمويل يمثل عاملاً حاسماً في تأمين الدول لاحتياجاتها من اللقاح. ولكي نحقق توازنا وعدالة بين البلدان ذات الدخل المرتفع وبين البلدان ذات الدخل المنخفض، تخطط المنظمة لعمليات شراء تؤمن بها احتياجات تلك البلدان الأخيرة.

● بمناسبة إطلاق الخطة العالمية لسلامة المرضى 2021-2030 ماذا سيقدم المكتب الإقليمي خلال السنوات القادمة لدعم سلامة المرضى؟

- لقد تم إطلاق البرنامج الرائد لسلامة المرضى في إقليم شرق المتوسط منذ 10 سنوات، وهي مبادرة تمثل الآن إطار عمل يدمج معا مجموعة من الاستراتيجيات والأقسام التي تغطي المجالات المختلفة لسلامة المرضى مثل القيادة والحوكمة، وإشراك المريض والمجتمع، والممارسة السريرية القائمة على الأدلة، والبيئة الآمنة والتعلم مدى الحياة، وقد تم استكمال هذا الإطار مؤخرًا بإطار مماثل لسلامة المرضى في الرعاية الأولية أيضًا. وقد حقق العديد من الدول في الإقليم تقدمًا ملحوظًا في إضفاء الطابع المؤسسي على إطار المستشفيات الصديقة لسلامة المرضى في كل من المؤسسات العامة والخاصة.

إجراءات الوقاية

وبصفة عامة، فإن تعزيز سلامة المرضى يتطلب اتخاذ كثير من الإجراءات، ويتعيّن على الحكومات زيادة الاستثمار في سلامة المرضى من خلال الاستثمار في تعزيز إجراءات الوقاية من العدوى ومكافحتها وكذلك الاستثمار في مجال سلامة العاملين الصحيين.

وفي هذا الإطار، نحن نحث راسمي السياسات على صياغة السياسات والتشريعات وتحديثها وتنفيذها لضمان تحسين سلامة العاملين الصحيين كأولوية، كما نحث قادة الرعاية الصحية على نشر ثقافة منفتحة وشفافة للسلامة، يُبلَّغ فيها عن حوادث السلامة فوراً، ويتلقى فيها الموظفون التدريب المناسب على الوقاية من العدوى ومكافحتها.

● ما الجديد بخصوص المكتب الدائم للمنظمة في الكويت؟

- الكويت من الدول المهمة في إقليم شرق المتوسط والمؤثرة في المحيط الخليجي والإقليمي والعالمي. ولاشك أن وجود مكتب دائم للمنظمة داخل الكويت يعزز العمل المشترك بين المنظمة والكويت كبلد عضو وشريك داعم، كما يعطي فرصة أكبر لتطوير برامجنا الصحية هناك. والترتيبات تسير قدماً ونحن نتطلع إلى استكمال الاستعدادات والترتيبات اللازمة واللوجستيات التي تمكننا من المضي نحو تحقيق هذه الخطوة المهمة، ونخوض حالياً في نقاشات مع فريق المنسق المقيم للأمم المتحدة حول تفاصيل تتعلق بالمساحة والموقع داخل مبنى الأمم المتحدة والجدول الزمني لتوظيف العاملين.

● متى يحتفل الإقليم بالتخلص من شلل الأطفال؟

- العالم الآن أقرب ما يكون إلى تحقيق هدف استئصال شلل الأطفال. وكما نعلم فقد أعلنت القارة الإفريقية مؤخراً خلوها من شلل الأطفال البري، وهذا يعطينا أملاً كبيراً في اقتراب الهدف من التحقق، خصوصا مع استمرار الجهود الجبارة التي يقوم بها البلدان اللذان لايزال يتوطن فيهما فيروس شلل الأطفال في إقليمنا وفي العالم، وانحسار انتشار الفيروس إلى بؤر وجيوب محدودة في كليهما وانخفاض عدد حالات الإصابة إلى أدنى معدل له في التاريخ.

● تمثل الأدوية المغشوشة والرديئة النوعية أحد تحديات سلامة المرضى، فما جهود المنظمة لمجابهة هذا التحدي؟

- بالفعل هذه من أكبر المشكلات التي تواجه القطاع الصحي والدوائي وتؤثر على سلامة المرضى. وقد تنبهنا منذ سنوات لهذا التحدي وتحركنا من خلال برامجنا المعنية بالأدوية الأساسية وجودتها على عدة أصعدة لحل تلك المشكلة، وتعزيز جودة المنتج الدوائي، ووقف التجارة غير المشروعة والتهريب وغيرها من الأوجه المرتبطة بغش الدواء. وضمن الجهود المبذولة في هذا الصدد السعي لإصدار تشريعات قابلة للتنفيذ لردع من يقدمون على هذا الأمر، والسعي لدى صناعات الأدوية لاتخاذ إجراءات من شأنها القضاء على الأدوية المغشوشة من خلال توفير المنتج الدوائي الجيد بسعر مناسب. ولا ننسى أن للجهات الرسمية دوراً كبيراً في مكافحة الأدوية المهربة من خلال الهيئات المعنية بمراقبة جودة المنتجات كلها والمنتج الدوائي بصفة خاصة.

● ما مستقبل التطبيب عن بعد في دول الإقليم خصوصا بعد جائحة «كورونا»؟

- أحد الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 الأهمية الحيوية للتطبيب عن بعد وقابليته للتطبيق والتنفيذ. هذا مجال قطعت فيه كثير من دول العالم خطوات كبيرة، وأصبح يمثل جزءاً مهماً من بنية قطاعها الصحي. كما بدأت دول من إقليمنا في التعرف عليه وتلمسه. لكن الجائحة أثبتت أن الاعتماد عليه يمثل ضرورة وجانباً مهماً من جهود التأهب والاستعداد لما هو مقبل، خصوصا في مجال متابعة المخالطين والاكتشاف المبكر للحالات. أما ما يتعلق بتطبيب الحالات فمازال في مراحله الأولى ولابد من دراسة إمكانية تطبيقه، ومن المستبعد أن يغني هذا النوع من التطبيب عن المعاينة المباشرة بين الطبيب المعالج والمرضى على الأقل في المستقبل القريب، منعا لحدوث أخطاء طبية.

حماية العاملين الصحيين بمعدات الوقاية

أكد المنظري ضرورة الإقرار بأهمية دور العاملين الصحيين وتفانيهم في العمل، وأن نستثمر موارد أكثر لحمايتهم من المخاطر المهنية التي تواجههم في مكان العمل، لاسيما في سياق جائحة «كوفيد19»، فعلى الرغم من انقضاء 8 أشهر على ظهور الجائحة، لا نزال نرى بعض البلدان تواجه تحديات في شراء معدات الوقاية الشخصية الكافية للعاملين الصحيين، وزيادة القدرة على إجراء الاختبارات، مما يعوق بدوره الاكتشاف المبكر للحالات وعزلها وتتبع المخالطين لها، وذلك يُعرِّض العاملين الصحيين لخطر العدوى دون داعٍ، ومن ثم يعرض سلامة المرضى الذين يتلقون منهم الرعاية للخطر أيضاً، لاسيما اننا نعلم أن عدداً كبيراً من المصابين بالمرض لا تظهر عليهم الأعراض.

وشدد على أهمية تدريب العاملين في الخطوط الأمامية لمواجهة هذه الجائحة على تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها، بالإضافة إلى التدابير الداعمة الرامية إلى تحسين الامتثال لهذه التدابير في مكان العمل.