في مختلف مراحل ذلك القرن، مرّ لبنان بحربَين أهليتَين واحتلالَين خارجيَين، وواجه مصائب متنوعة تزامناً مع استفحال الفساد فيه وتكبّده خسائر كبرى على مستوى الحريات. للأسف فشلت جميع الجهود الرامية إلى بناء وطن حقيقي، لأن القادة السياسيين والدينيين فيه أصروا على طرح معادلات جديدة لتقاسم السلطة. كانت تلك المعادلات تتراوح بين الفدرالية والتقسيم، لأن اللبنانيين من مسيحيين ودروز ومسلمين سُنّة وشيعة رفضوا بشكلٍ متكرر "العيش المشترك" (إنه مصطلح شائع لكنه خسر معناه منذ فترة). بعد مرور مئة عام، يتساءل اللبنانيون صراحةً: ما النفع من متابعة العيش في هذه الكذبة؟

في عام 1920، كان الجنرال الفرنسي هنري غورو متفائلاً، فتعاون مع البطريرك الماروني الياس الحويك والمفتي السنّي الأكبر الشيخ مصطفى النجا، لتوسيع جبل لبنان الذي تسكنه أغلبية مسيحية، عبر إنشاء كيان جغرافي جديد سمّاه المسؤول الفرنسي ورجلا الدين "لبنان الكبير"؛ فأضافوا مدناً ساحلية مثل بيروت (كان سكانها في معظمهم من الروم الأرثوذكس حينها) وطرابلس وصيدا وصور ومحيطها (معظم سكانها من السُّنة)، وسهل البقاع (شمل سكانه السُّنة والشيعة والمسيحيين).

Ad

تكافؤ ديمغرافي

بين ليلة وضحاها، تراجعت نسبة المسيحيين في جبل لبنان من 80 إلى 55 في المئة، ومهّد هذا الوضع لتقسيمات سياسية شائبة في 1 سبتمبر 1920. سرعان ما توصّل المعنيون إلى تكافؤ ديمغرافي بين المسلمين والمسيحيين في عام 1943، حين اكتسب لبنان استقلاله رسمياً.

ارتكب البلد غلطة فادحة عندما تمسّك بنظام طائفي يعطي منصب الرئاسة للموارنة ورئاسة الحكومة للسُّنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. كان الفرنسيون يظنون أن تقاسم السلطة سيصبّ في مصلحة الجمهورية الجديدة، كونه يعطي الطوائف الأساسية الثلاث مناصب رفيعة المستوى.

حصلت الطوائف الثماني عشرة المعترف بها رسمياً على مناصب معينة، فنشأت نتيجةً لذلك ديمقراطية فريدة من نوعها ومبنية على مبدأ التوافقية. ترتكز الدولة التوافقية على تركيبة داخلية تنقسم بحذر وفق الاختلافات العرقية أو الدينية أو اللغوية. لا تكون تلك الانقسامات كبيرة بما يكفي لتشكيل أغلبية تستطيع السيطرة على الجماعات الأخرى، لكنها تبقى مستقرة نسبياً لأن القادة يتشاورون في ما بينهم للحفاظ على توازن القوى. في لبنان تحديداً، كانت التوافقية تهدف في الأساس إلى الحفاظ على الاستقرار الداخلي بين النُخَب المسيحية والمسلمة في الدولة الجديدة.

خطأ مزدوج

تعهد المسيحيون بالابتعاد عن الداعمين الغربيين، في حين تعهد المسلمون بالتخلي عن ارتباطهم بسورية، مع أن المثقف جورج النقاش وحده اعتبر هذا الميثاق الوطني المزعوم "خطأً مزدوجاً". في عام 1949، كتب النقاش أن هذين الوعدَين لا يصنعان وطناً، لكن تجاهل الجميع هذا الرأي بشكلٍ متكرر خلال الحروب الأهلية التي شهدها البلد.

مع مرور الوقت، توصّل لبنان إلى اتفاقيات جديدة، منها اتفاق الطائف الذي حصل بوساطة سعودية في عام 1989، ونجح في وقف الحرب الأهلية ووضع حداً لعمليات الغزو السورية والإسرائيلية المتلاحقة. دعا اتفاق الطائف إلى استئناف الحياة السياسية الطبيعية، وأعاد التأكيد على السلطة اللبنانية في جنوب لبنان (كان يخضع حينها لسيطرة إسرائيل وحلفائها في جيش لبنان الجنوبي). نصّ الاتفاق أيضاً على انسحاب الجيش السوري خلال سنتين، لكنّ الانسحاب الفعلي لم يتحقق قبل عام 2005.

ساهمت قرارات الأمم المتحدة وقواتها المنتشرة منذ أكثر من أربعة عقود في حفظ السلام على الحدود الجنوبية. وفرضت قوات الاحتلال السوري السلام بين العامين 1990 و2005، مع أن دمشق أضعفت جميع المؤسسات السياسية والأمنية في لبنان عبر تشجيع نشوء ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران على شكل دويلة داخل الدولة.

وبعد انسحاب القوات السورية في عام 2005، احتفظ حزب البعث بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد بعملائه الاستخباريين في لبنان، فتابعوا السيطرة على السياسة الداخلية ومجالات أخرى. كانت سطوتهم قوية لدرجة أن تتجاوز دمشق حربها الأهلية بعد عام 2011 بأقل الأضرار، فاستعملت لبنان كقناة لنقل جميع أنواع السلع والخدمات، تزامناً مع الاتكال على حزب الله في الحرب والإرهاب.

بدا السياسيون- التجّار اللبنانيون غير مستعدين لحماية سيادة بلدهم والحفاظ عليه، منهم وليد جنبلاط ووزير الخارجية السابق جبران باسيل اللذان يملكان عشرات الشركات والمنافذ الإعلامية، فوجد المسؤولون فرصاً جديدة في سورية، في حين راح حزب الله ينفذ الأوامر الإيرانية لتلبية حاجات القوات العسكرية ودعم الحكومات التي تواجه مصاعب متزايدة في البلدين.

تناقضات هائلة

يُعتبر أي قرن كامل وقتاً طويلاً جداً لاستمرار التجربة الفاشلة في بناء الأوطان. بعد مئة سنة من الإهمال والجشع، نشأت تناقضات هائلة وانتشرت مظاهر الفقر النسبي والثراء الفاحش جنباً إلى جنب. عندما ارتفعت نسبة البطالة الوظيفية مثلاً، كان الفساد الطائفي كفيلاً بتغطية المشكلة سريعاً، فقدّم رؤساء الأحزاب وعدد من سماسرة السلطة تبرعات مالية سخية لكبح الاضطرابات الاجتماعية. في الوقت نفسه، تابع معظم العاملين اللبنانيين الكادحين في الخارج (نحو مليون شخص) تحويل رواتبهم التي كسبوها بعرق جبينهم على مر السنوات المتلاحقة. ضمنت تلك التحويلات المالية نشوء نسخة مناسبة من "مخطط بونزي" المصرفي، الذي زاد ثروات أغنى الأغنياء، تزامناً مع إيهام الطبقة الوسطى بأنها تعيش حالة من الازدهار.

ساهم العاملون اللبنانيون المغتربون في تعويم أرضهم الأم، فكانوا يرسلون تحويلات سنوية تتراوح قيمتها بين 7 و8 مليارات دولار، أي ما يساوي 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حين كان الوضع الاقتصادي في أفضل حالاته في عام 2010. وُضِعت تلك الأموال في بنوك لبنانية أو خُصّصت لشراء الممتلكات. حدّدت البنوك المحلية معدلات فائدة مرتفعة تتراوح بين 6 و12 في المئة، حتى أنها تراوحت أحياناً بين 15 و20 في المئة. حصل ذلك بموافقة كاملة من مصرف لبنان الذي حافظ على استقرار الليرة اللبنانية بمستوى 1507 مقابل الدولار منذ عام 1997، لكن انهارت قيمة العملة المحلية وأصبح الدولار الواحد يساوي نحو 10 آلاف ليرة في السوق السوداء منذ بضعة أشهر (لكنه عاد إلى مستوى 7600 ليرة حتى كتابة هذه السطور).

في الفترة الأخيرة، أدت ضوابط رأس المال إلى احتجاز الدولارات في الحسابات المصرفية، فاستفحل الغضب بين الأغنياء والفقراء على حد سواء، ولم تعد شركات كثيرة تقبل الدفع بالبطاقات. ظن معظم اللبنانيين أن حساباتهم المصرفية التي تشهد نمواً ثابتاً ستبقى آمنة وأنهم سيتمكنون من الاستمتاع بحياتهم، لكنهم أغفلوا الآليات المعقدة التي استعملها لصوص بارعون لأقصى الدرجات.

قضى الفساد المنظّم على معظم المدخرات، فقد خَلَت البنوك من الدولارات وحوّلت الحسابات التي كانت بالدولار إلى العملة اللبنانية بمعدل 2600 ثم 3900 ليرة مقابل الدولار، مع أن الدولار بلغ حينها 8 آلاف ليرة في السوق السوداء. في غضون ذلك، زاد مستوى التضخم وارتفعت الأسعار بدرجة قياسية وتضخمت نسبة البطالة ومعدلات الهجرة، واستفحلت مظاهر الفقر وسط نصف السكان على الأقل، وخسرت الليرة اللبنانية نحو 80 في المئة من قيمتها خلال أقل من سنة.

شياطين الماضي

بالإضافة إلى تداعيات انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس، والأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي أفقرت معظم اللبنانيين، وخَطْف الحياة السياسية على يد أكثر المؤسسات الحاكمة فساداً في العالم، يواجه لبنان اليوم شياطين الماضي التي طغت على حقبة ما بعد عام 1920.

في هذا السياق، يقول الصحافي اللبناني الفرنكوفوني سليم بدوي إن "الميثاق الوطني من عام 1943 انهار، واتفاق الطائف من عام 1989 لم يعد قابلاً للتنفيذ"، علماً أن اللبنانيين الشيعة يدعون صراحةً اليوم إلى ميثاق دستوري يفرض اتفاقاً جديداً لتقاسم السلطة. وكتب بدوي في عام 2019 في كتابه Marounia: Une identité en peril (المارونية: هوية في خطر): "من الضروري ألا نقبل باتفاق طائف جديد مدعوم من إيران، لأنه سيرتكز حتماً على قوة شيعية مفرطة. سيختفي لبنان في هذه الحالة".

لا تعني الدعوات إلى فرض ميثاق جديد بين المسيحيين والمسلمين أن أي اتفاق محتمل سيعطي الأفضلية للشيعة، مع أن الأطراف المرتبطة علناً بإيران عبر حزب الله ورغبة هذه الجماعة صراحةً في الانتماء إلى ولاية الفقيه (وصاية مجلس الفقه الإسلامي الذي يعيّن مرشداً أعلى من واجبه أن يخدم الشيعة في كل مكان) زعزعت استقرار المجتمع اللبناني.

نادراً ما يفوّت ممثلو حزب الله وأي شخصيات دينية شيعية الفرصة للتعبير عن رغبتهم في أن يكونوا جزءاً من ولاية الفقيه، وهذا ما دفع المسيحيين والسُّنة لانتقاد موقفهم بأسلوب لاذع. ردّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بقوة على تلك المواقف، ودافع حديثاً عن الحياد للحفاظ على هوية البلد السياسية. لكن رفَض المسؤولون الشيعة هذه الدعوة فوراً.

شدّد مفتي الجمهورية السنّي عبد اللطيف دريان من جهته على غياب أي بدائل لاتفاق الطائف، الذي يعتبره رجال الدين الشيعة بالياً. كان لافتاً أن يرغب معظم اللبنانيين في أن تتألف الحكومة الجديدة من تكنوقراط حقيقيين، وقد عبّروا عن رغبتهم هذه خلال احتجاجات أكتوبر 2019 وفي المراحل اللاحقة أيضاً. لكن من الطبيعي أن يرفض أصحاب السلطة تلك الدعوات كلها لأنهم غير مستعدين للتخلي عن نشاطاتهم المربحة التي سمحت لهم بالتمسك بالسلطة ومتابعة الأداء الذي استفادوا منه. استقالت الحكومة السابقة واستُبدلت بأخرى تلاعب بها القادة السياسيون أنفسهم. على أرض الواقع، لم يتغير شيء.

يرفض اللبنانيون المسيحيون والدروز والسُّنة الفكر الشيعي، لكن لا يعني ذلك أنهم لا يريدون التعايش مع الشيعة. بل يشعر معظم اللبنانيين، بما في ذلك الشيعة غير التابعين لإيران، بالصدمة من مكانة القادة الشيعة في المجتمع لأن مواقفهم جعلت التعايش شبه مستحيل.

عملياً، كان اختبار هذا الاقتراح صعباً نظراً إلى غياب أي استطلاعات علمية حول الطائفية أو عدم السماح بإجرائها. مع ذلك، تكاثرت الأدلة التي تثبت الخيارات الطائفية المفضّلة، فقد ضغط حزب الله على مسؤولين مسيحيين بارزين، وحاصر التيار الوطني الحر برئاسة الجنرال ميشال عون الذي أصبح رئيس الجمهورية بعدما علّق الحزب عمل البرلمان طوال سنتين، لأنه كان يتوق إلى استلام السلطة والسيطرة على الحكم بلا حسيب أو رقيب، فضمن بذلك ولاء عون له.

التلاعب الناجح

غداة الانتخابات البرلمانية في عام 2018، بعد إبرام الاتفاق بين حزب الله وعون الذي أصبح الآن رئيس لبنان، شعر حزب الله بالنشوة. كان التلاعب الناجح مؤثراً في هذا المجال أيضاً. في عام 2017، مرّر السياسيون اللبنانيون قانوناً انتخابياً جديداً سمح بتطبيق مبدأ التمثيل النسبي على معظم الأحزاب السياسية، ففتح مجالات جديدة من المنافسة التي كانت في السابق محصورة في دوائر انتخابية قليلة. نتيجةً لذلك، تغيرت الهندسة السياسية في البلاد، وبلغت الشكوك مستوىً غير مسبوق واضطرت الأحزاب لبناء تحالفات خاصة مع مجموعة واسعة ومتغيّرة من الشركاء في مختلف الدوائر.

تجاوزت التحالفات الجديدة الخطوط التقليدية في حالات كثيرة، وهذا ما منع مرشّحي المجتمع المدني من الفوز بأكثر من مقعد واحد من أصل 128. هذا التلاعب زعزع جميع الخطط السياسية وجعل رئيس الوزراء السابق سعد الحريري يخسر 12 مقعداً من أصل 33 لمصلحة تيار المستقبل الذي يرأسه في البرلمان المؤلف من 128 نائباً. سعد هو ابن رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، الذي تعرّض للاغتيال ويُعتبر من أركان تحالف 14 مارس. هو يعارض حزب الله ظاهرياً، لكنه كان شريكاً صامتاً له في حكومات متلاحقة عملياً.

على صعيد آخر، نقلت الصحافية كيم غطاس احتفالات عارمة فيما راح الكثيرون يهتفون: "بيروت شيعية، بيروت شيعية"! ونشر ناشطون شيعة مقاطع فيديو على يوتيوب ومنصات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي للإشادة بطائفتهم، واعتبروا أن الوقت حان كي يحكموا لبنان. نُشرت مئات، أو حتى آلاف، المقاطع المماثلة، مع أن كبار القادة الشيعة دعوا المتحدثين المتعصبين إلى تخفيف لهجتهم. تكررت هتافات "شيعة، شيعة، شيعة" للأسف غداة انتفاضة أكتوبر 2019 التي شهدت نزول نحو مليونَي محتجّ إلى وسط بيروت. في بعض الحالات، هاجم مسلحون متحزبون المتظاهرين وأحرقوا خِيَمهم وأرعبوا معارضي النظام السلميين. حملت هذه الأحداث دلالة كبرى لأن مناصري حزب الله كانوا يقفون وراءها وأرادوا بذلك إثبات الجهة الحقيقية التي تسيطر على الأمن في لبنان.

وقف الرأي العام اللبناني في وجه التحركات الشيعية، بعدما شيّد قرويون في بلدة لاسا مبنى على أرضٍ تملكها الكنيسة المارونية في عام 2011 بطريقة غير شرعية. كاد هذا الخلاف القديم على ملكية الأراضي في المناطق المختلطة، كما في أي مكان آخر من البلد، يزعزع الظروف الديمغرافية السائدة. وقعت حوادث مماثلة في عدد من البلدات الدرزية في قضاء الشوف، وأسفرت عن مقتل البعض، في حين اكتفى المسؤولون في الحكومة بالتفرج على الوضع من دون تحريك أي ساكن.

صدر رد قوي من المسيحيين أيضاً. في منتصف عام 2019، منعت منطقة الحدث المسلمين من شراء الأملاك فيها، فانتشرت موجة من الغضب الوطني، لكن تعكس هذه التطورات التبدل السريع الذي تشهده التركيبة السكانية في لبنان، تزامناً مع تعمّق الانقسامات الطائفية الراسخة.

سلاح «حزب الله»

تفاقم الوضع مجدداً بسبب الهجوم الأخير على البطريرك الماروني، الذي دعا الدولة بكل جرأة إلى نزع جميع الأسلحة غير الشرعية في 24 أغسطس الماضي، بما في ذلك سلاح حزب الله. في المقابل، حذر أمين عام الحزب، حسن نصرالله، المحتجين بعدما علّقوا مشانق مزيفة له في ساحة الشهداء في بيروت، علماً أن جميع القنوات المحلية كانت تنقل خطاباته المتلفزة شبه الأسبوعية دوماً.

في 12 أغسطس، اعترض نصرالله على ما حصل وأضاف قائلاً: "لقد رأينا جميع أنواع تجاوز الحدود. من يمثّل هؤلاء؟ نحن نحترم المحتجين السلميين، لا المدعومين من السفارات". لقد ألمح بكلامه إلى أن الاحتجاجات المعادية للحكومة مموّلة من الخارج، بينما يمثّل حزبه المموّل من إيران إرادة الشعب الحقيقية. كذلك، حذّر الأمين العام الكثيرين حين قال: "لا أقول لكم تخلوا عن غضبكم، بل احفظوا غضبكم لأننا قد نحتاجه يوماً لننهي كل محاولات جرّ لبنان الى حرب أهلية". كان كلامه تحذيراً للجميع، لا سيما المسيحيين، كي لا يتكلوا على الخارج لإنقاذهم. سبّب هذا الموقف ردة فعل قوية من وسائل الإعلام، وقد دفع بعض مديري المحطات التلفزيونية إلى اتخاذ قرار بعدم بث خطابات نصرالله بعد الآن.

تولى الوزير السابق بيار بوعاصي من حزب القوات اللبنانية تسمية الأشياء بأسمائها. حين ضغط عليه أحد المراسلين لتوضيح انتقاداته للشيعة، قال صراحةً: "نحن مختلفون عنهم"! ثم دعا الرئيس عون إلى الاستقالة بسبب تحالفه مع حزب الله وتساهله معه.

الفدرالية خيار محتمل

بعدما أصبح لبنان على حافة الانهيار، يصرّ المسيحيون والدروز والسُّنة، وبعض الشيعة أيضاً، على التمسك بحرياتهم. تحمّل الكثيرون المصاعب طوال أربعة قرون تحت الحكم العثماني، وبدأ البعض يتكلم مجدداً عن الفدرالية كخيار محتمل لضمان سلامته على المدى الطويل، مع أن طريقة تطبيق هذا المبدأ في مجتمع طائفي مثل لبنان ليست واضحة بعد، لا سيما في ظل معارضة حزب الله لفكرة الفدرالية أو التقسيم من أساسها.

يتساءل الكثيرون عن احتمال أن يصمد لبنان إذا فرض سلاح حزب الله حكم الأقلية الشيعية على الطوائف الأخرى. ويتساءل آخرون أيضاً عن عدد القتلى الذي يجب أن يسقط قبل أن يتحرر اللبنانيون بمعنى الكلمة. التقسيم خيار جدّي قد يمنع تكرار الأخطاء، التي رسمت مسار لبنان خلال القرن الماضي. لطالما اتّضح أن اللبنانيين، رغم تقاسمهم سمات مشتركة كثيرة، يعجزون عن التوافق حول الحريات السياسية والاجتماعية الأساسية، ولا يمكن الحفاظ على هذه الحريات إلا عبر ميثاق سياسي جديد.

من دون حرية لا معنى للبنان، لأن الأطراف التي أنشأت الكيان الجغرافي الراهن كانت تهدف إلى تزويد سكان البلد بالحريات الغائبة في أماكن أخرى من منطقة الشرق الأوسط. لكن للأسف، فشلت تجربة عام 1920، ويواجه اللبنانيون في عام 2020 سؤالاً محورياً لا مفر منه: هل يجب أن يعود البلد إلى التركيبة التي سبقت عام 1920؟