فقد الذهب نحو 94 دولاراً من قيمته في غضون ثلاث جلسات تداول فقط، الأمر الذي يدفع البعض للتساؤل: هل هذا مجرد تراجع مؤقت أم ان موجة الصعود انتهت؟

وفي حين أن الذهب سجل أعلى مستوى في تاريخه أوائل أغسطس الماضي عند 2075 دولاراً للأوقية؛ بدعم تدابير التحفيز العالمي غير المسبوقة ومعدلات الفائدة الحقيقية السالبة، وضعف الدولار الأميركي، فإنه تخلى مؤخراً عن بعض هذه المكاسب.

Ad

ومنذ بداية الأسبوع الجاري، تراجع سعر أوقية الذهب من 1962.10 دولارا إلى 1868.40 دولارا عند تسوية جلسة أمس الأول.

ويعني ذلك أن المعدن الأصفر خسر نحو 93.7 دولار أو 4.8 في المئة في 3 أيام، لكن مكاسبه في العام الحالي حتى الآن تصل إلى 22.7 في المئة (345 دولاراً).

يعتبر الدولار الأميركي الآن هو المحرك الرئيسي لأسعار المعدن النفيس، ليكون أحد أهم العوامل الأساسية المؤثرة عليه.

وفي الأسبوع الجاري، تعززت قيمة العملة الأميركية، حتى بالرغم من اعتزام بنك الاحتياطي الفدرالي الحفاظ على معدلات الفائدة المنخفضة عند مستوياتها الحالية - تدور في نطاق بين صفر إلى 0.25 في المئة - لحين تسارع التضخم إلى متوسط 2 في المئة.

كما أن الورقة الخضراء تلقت دعماً ملحوظاً من ضعف الآمال بشأن إقرار الكونغرس الأميركي لمزيد من التحفيز المالي لدعم الاقتصاد المنهك قبل انتخابات الرئاسة الأميركية، وسط الخلاف الدائر بين أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

يقول مدير تجارة المعادن العالمية في كيتكو «بيتر هوج»: «إذا استمرت الموجة البيعية في أسواق الأسهم، فسيكون من الضروري أن توفر الحكومة المزيد من الحوافز، ومع الانتخابات، أصبح اتخاذ إجراءات حكومية بشأن الاقتصاد أمراً مشكوكاً فيه».

وأدى ارتفاع العملة الأميركية إلى هبوط سعر المعدن، حتى مع ارتفاع عدد إصابات جائحة «كوفيد-19» في بعض أنحاء القارة الأوروبية وتجاوز عدد الوفيات 200 ألف شخص في الولايات المتحدة.

ويقول كارستن فريتش المحلل في «كومرزبنك»: «الدولار الأميركي القوي يشبه العبء الثقيل الذي يطوق عنق أسعار المعادن النفسية، كما يُشكل ضغوطاً على الذهب رغم العزوف عن المخاطرة»، لكنه يعتقد أنه من غير المرجح استمرار قوة العملة.

وتجدر الإشارة إلى أن قوة الدولار الأميركي تجعل الذهب المقوم بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة لحاملي العملات الأخرى، ما يعني أن الورقة الخضراء القوية تُشكل ضغوطاً هبوطية على الأسعار.

«بع كل شيء»

بات من الطبيعي وجود علاقة طردية بين سوق الأسهم والذهب، حيث شهدنا مؤخراً أن الذهب يتداول في النطاق الأخضر عندما تشهد أسواق الأسهم مكاسب، والعكس عند حدوث موجة بيعية في الأسواق.

وتُعد أسواق الأسهم بمنزلة مقياس جيد لمستويات عدم اليقين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتعافي الاقتصاد الأميركي، وانتخابات الرئاسة الأميركية، واحتمالات المزيد من التحفيز المالي والتوترات الجيوسياسية.

ويرى رئيس الاستراتيجية العالمية في «تي دي» للأوراق المالية بارت ميليك، أنه إذا تراجعت أسواق الأسهم بشكل كبير ودخلت في حالة من الذعر، فإن التقلبات ستتزايد، وقد يضطر المستثمرون لتغطية طلبات تغطية عمليات الشراء بالهامش، وبالتالي بيع الذهب لكونهم بحاجة للسيولة.

وتكون النتيجة المحتملة هي الاندفاع نحو السيولة، وهذا هو سبب تعرض الذهب للضغوط في سيناريو «بع كل شيء يمكن بيعه».

ومع ذلك، بالرغم من أن الانخفاض الحاد في سعر الذهب أمر محتمل في ضوء الخسائر القوية التي تشهدها أسواق الأسهم، فإن استئناف المعدن الثمين لاتجاهه الصعودي في أعقاب هذا الهبوط يبدو أمراً مرجحاً كذلك، وفقاً لما قاله «مايك ماكجلون» كبير استراتيجي السلع في «بلومبرغ إنتليجنس».

اختراق حاجز رئيسي

تسارع الاتجاه الهبوطي في أسعار الذهب خلال الأسبوع الجاري حتى الآن، بعدما انخفض دون متوسط الـ50 يوماً، والذي يمثل إشارة فنية على البيع.

وتبدو النظرة المستقبلية للذهب على المدى القريب أسوأ يوماً بعد يوم، حيث تراجع الذهب دون حاجز 1900 دولار مع وصول الدولار لأعلى مستوى في شهرين.

ومع ذلك - يجب أن توفر العتبة الرئيسية التالية للمعدن- أيّ المتوسط المتحرك مدة 100 يوم، بعض الدعم للأسعار الآخذة في الانخفاض، حيث إن الهبوط دون هذا الحد قد يؤدي لمزيد من عمليات البيع في المعدن.

صناديق الاستثمار المتداولة

برزت صناديق الاستثمار المتداولة هذا العام كطريقة مفضلة لدى المستثمرين لشراء الذهب، حيث شهدت إضافة نحو 870 طناً من سبائك المعدن. وبعد الهبوط في أسعار المعدن يوم الاثنين الماضي، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة أكبر تدفقات داخلة في عام على الأقل، حيث اتجه المستثمرون لسياسة «الشراء عند الهبوط»، لكن لم تسفر خسائر اليوم التالي عن ظهور نفس حدة الشهية للشراء.

وقد «ارتفعت صناديق الاستثمار المتداولة في الأيام الأخيرة، لكنها في حالة توقف الآن لترى ما سيحدث، أما إذا استمر ضعف الأسعار فستكون هناك عمليات بيع سريعة مرة أخرى»، وفقاً لما ذكرته المحللة الاستراتيجية للمعادن النفيسة في «إيه بي إن أمرو بنك» الهولندي جورجيت بويل.

على مدى العشرين عاماً الماضية، كان الذهب يميل إلى التحرك في الفترة التي تسبق انتخابات الرئاسة الأميركية وفي أعقابها، حيث يقوم المستثمرون بتقييم الأثر المحتمل على الدولار وعوائد سندات الخزانة ومخاطر السياسة العالمية.

لكن من المرجح أن تكون الانتخابات المرتقبة والمقرر عقدها يوم الثالث من شهر نوفمبر المقبل هي الأكثر خطورة منذ عقود، الأمر الذي يثير حالة من عدم اليقين في تحركات أسعار الذهب. ومن ناحية أخرى، إذا حقق أي من المرشحين المتنافسين على المنصب دونالد ترامب أو جو بايدن فوزاً حاسماً وانتهت الانتخابات بأقل قدر من الاضطرابات، قد يتعرض الذهب لضغوط هبوطية،على حسب قول لي جوهرينغ الشريك الإداري في «جوهرينج آند روزينسواج»، الذي أشار إلى أن الأسواق تتوقع عدم مرور الانتخابات بشكل سلس.