خلطت مبادرة رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري الأوراق الحكومية، بعدما اصطدمت المبادرة الفرنسية بحائط مسدود أظهرها تصلب «الثنائي الشيعي» في مواقفه ورفضه أي نقاش في أحقّية حصوله على حقيبة المال، وذهابه برفع لهجة التحدّي إلى المستوى الأعلى، من دون أن يؤثر حشره في الزاوية على تليين موقفه، حتى بعد تموضع رئيس الجمهورية ميشال عون في الخط المناهض له. 

وتتجه الأنظار في البلاد إلى موقف «الثنائي» من المبادرة، التي في حال وافق عليها فمن الممكن أن تولد الحكومة خلال الساعات القليلة المقبلة في وقت يبدو أن «الشياطين» تكمن في التفاصيل التي بدأ التشاور حولها في الغرف المغلقة.

Ad

في المواقف الظاهرة رحب رئيس مجلس النواب نبيه بري ببيان الحريري، وقالت مصادر مقربة منه انه «يبنى عليه إيجاباً»، مشيرة إلى «تحرك سيحصل خلال الساعات المقبلة». إلا أن موقف بري الإيجابي قابلته تسريبات من مصادر قريبة من «حزب الله» اعتبرت فيه أنه «لا يحق للحريري فرض شروط حول فترة تولي وزير من طائفة معينة لأي وزارة (في إشارة إلى بيان الحريري الذي حدد مرة واحدة فقط يتولى فيها شيعي وزارة المال)».

وأشارت إلى أن «الطرح الثابت لدى الثنائي هو تقديم لائحة من 10 أسماء يتم اختيار واحد من بينها. عدا عن ذلك، لن يوافق «حزب الله» و«أمل»، وكل الطروحات والمبادرات ليست إلا للحفاظ على ماء الوجه عند الفرنسيين». وتابعت: «يفترض أن يحمل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل الملاحظات على بيان الحريري إلى الرئيس عون ويطلعه عليها، ويستفسر عن أكثر من نقطة أساسية».

الحريري متخاذل

وبمجرد إعلان الحريري أنه «تجرّع السم» لمساعدة الرئيس المكلف مصطفى أديب في اختيار وزير شيعي مستقل لحقيبة المالية اعتبر خصوم «حزب الله» زعيم «المستقبل» متخاذلاً. وقالوا إنه قدم تنازلات للحزب، وانقلب على أدبيات فريقه في وقت رفض رؤساء الحكومات السابقون مبادرة الحريري وسارعوا إلى التبرؤ منها، مجددين التمسك بمضمون الدستور لجهة رفض احتكار الوزارات.

وبررت مصادر مقربة من الحريري تنازله «بعد اتصال هاتفي مع الرئيس الفرنسي الذي طلب اليه تقديم هذا التنازل، وهو طرح كان قد حمله السفير الفرنسي إلى فرنسا، وذلك بعد وعدٍ تلقاه الحريري من ماكرون أن هذا التنازل يقابله تسهيل قروض مؤتمر سيدر بشكل سريع».

وأضافت المصادر أن «الحريري على يقين أن هذه الخطوة قد تخسره شعبياً، ولكن بنظره هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلد والمستقبل بانتظار الرد أو تلقف الثنائي الشيعي للمبادرة». وتابعت: «طرح الحريري ضروري لولادة الحكومة، فإذا رفض الثنائي المبادرة ورمى على الطاولة رزمة شروط جديدة، تعجيزية، تفرغ المبادرة الفرنسية من مضمونها، فإن ذلك سيؤكد أن العقدة في مكان آخر، وان التمسك بالمالية ليس سوى ستار لإخفاء حقيقة أن التعطيل يحصل لغايات إقليمية».

ترحيب فرنسي

ورحبت الخارجية الفرنسية بمبادرة الحريري، واصفة إياها بـ «الشجاعة»، معتبرة أنها «تبرهن حسه بالمسؤولية والمصلحة الوطنية للبنان». وأشارت «الخارجية» في بيان، أمس، إلى أن «مثل هذا الإعلان يشكل انفتاحًا يجب أن يقدر أهميته الجميع لكي يتم تشكيل حكومة مهمة».

ودعت فرنسا في بيانها «جميع القادة السياسيين اللبنانيين إلى احترام الالتزامات التي وعدوا بها الرئيس ايمانويل ماكرون في الأول من سبتمبر، بهدف وحيد هو تلبية الاحتياجات الطارئة للبنان». وختمت: «فرنسا تشجع مصطفى أديب على تشكيل حكومة مهمة بأسرع وقت ممكن تتألف من شخصيات مستقلة ومختصة يختارها بنفسه».

أديب

وأعلن أديب في بيان، أمس، حرصه على «تشكيل حكومة مهمة ترضي جميع اللبنانيين، وتعمل على تنفيذ ما جاء في المبادرة الفرنسية من اصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية وافقت عليها جميع الأطراف».

وقال أديب انه آلى على نفسه التزام الصمت طوال هذه الفترة من عملية تشكيل الحكومة، تحسساً منه بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه، ومن اجل الوصول الى تقديم تشكيلة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ضمن الأطر الدستورية، تساعد اللبنانيين على وضع حد لآلامهم اليومية. 

جنبلاط

في السياق، غرد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر»، أمس، قائلا: «آن الأوان لالتقاط ورقة الأمس والبناء عليها وتسهيل التشكيل بعيداً عن الحسابات الضيقة، فكل دقيقة تمر ليست لمصلحة لبنان. لا تعطوا حكومة الوباء والكوارث الحالية مزيداً من الوقت».

إلى ذلك، ألقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أمس كلمة مسجلة عبر الفيديو في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيها إنه «لا بد من نزع سلاح حزب الله لتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء» في لبنان.

واعتبر العاهل السعودي أن «انفجار مرفأ بيروت حدث نتيجة هيمنة حزب الله على صنع القرار في لبنان بقوة السلاح».