بعد مرور شهر تقريباً على الانقلاب الذي أسقط الرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا من السلطة، لا تزال المخاوف طاغية داخلياً وفي المجتمع الدولي بشأن مستقبل البلد الديمقراطي وتداعيات الانقلاب على عمليات مكافحة الإرهاب المتواصلة في المنطقة.

في الأسبوع الماضي، أطلق قادة الجيش المحلي مشاورات عامة مع الأحزاب السياسية وأعضاء من المجتمع المدني لتهدئة المخاوف المتزايدة لدى الطبقة السياسية في باماكو ولدى حلفاء مالي، بما في ذلك فرنسا.

Ad

جرى الانقلاب في منتصف شهر أغسطس الماضي على يد مجموعة من الضباط الماليين، لكنه حصل غداة أشهر من الاحتجاجات المدنية ضد حكومة إبراهيم أبو بكر كيتا نظراً إلى عجزها عن معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في البلاد.

بعيداً عن إفريقيا، ترافق الانقلاب أيضاً مع تداعيات كبرى على الاتحاد الأوروبي الذي دعا إلى إعادة إرساء حكم القانون سريعاً وأقدم أيضاً على تعليق مهامه التدريبية في مالي، درّبت هذه البعثة منذ نشوئها في فبراير 2013 نحو 10 كتائب، وكانت تخطط لتكثيف التدريبات بعد الوعود السياسية التي شهدتها قمة دولية في مدينة "بو" الفرنسية في يناير الماضي.

لكن قد يكون سقوط إبراهيم أبو بكر كيتا ونشوء المجلس العسكري أكبر انتكاسة لفرنسا التي تُعتبر أبرز دولة متورطة في شؤون مالي منذ عام 2013، فقد انتقد الدبلوماسيون والسياسيون الفرنسيون عجز الرئيس الأسبق عن معالجة عدد من المسائل الأمنية المحورية، لا سيما تردده في تطبيق اتفاق الجزائر الذي أُبرِم عام 2015 وكان يهدف إلى تفكيك الجماعات الثورية وإعادة دمجها، لكنّ السيطرة العسكرية لا تُضعِف الجهود السابقة لإرساء حُكم رشيد في مالي فحسب، بل إنها تُذكّر باريس أيضاً بالأسباب التي دفعتها أصلاً إلى التدخل عسكرياً في عام 2013 عبر عملية "سرفال"، وفي تلك الفترة، انهارت الدولة واتجهت القوى المتطرفة نحو باماكو نتيجة انقلاب عسكري سابق جرى تنظيمه قبل ثماني سنوات.

شوهدت مروحية هجومية من نوع "يوروكوبتر تايغر" في القاعدة العسكرية الفرنسية في مدينة "جاو" في 8 نوفمبر 2019، وقُتِل 13 جندياً بعد اصطدام مروحيتين خلال عملية "برخان" ضد الجهاديين في مالي.

اليوم كما في عام 2012، لا تزال مالي محور المعركة القائمة ضد الإرهاب في الساحل الإفريقي، وفي آخر سبع سنوات، كرّست فرنسا أكبر عمليات الانتشار العسكري الخارجية لتحقيق هذه الغاية، وفي بداية 2020، بعد توسّع الاعتداءات الإرهابية في المنطقة، وافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسمياً على زيادة القوات العسكرية هناك، حيث يشارك 5100 عنصر فرنسي اليوم في عملية "برخان".

على غرار ما فعله الأميركيون في العراق وأفغانستان، ركّزت الاستراتيجية العسكرية الفرنسية في مالي، وفي الساحل الإفريقي عموماً، على تقوية الشركاء المحليين عبر تنفيذ عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب أو إطلاق مهام تدريبية، وفي الوقت نفسه شدّد المسؤولون الفرنسيون مراراً على استحالة حفظ الأمن على المدى الطويل ما لم تترافق هذه الجهود بإصلاحات اجتماعية واقتصادية.

لكن الانقلاب العسكري في مالي يُعتبر نقيضاً لهذه الاستراتيجية لأنه أضعف الطموحات المرتبطة بتحسين نظام الحكم بسبب تجاهل أحكام القانون، حتى أنه يطرح مخاطر على الأمن القومي في وجه المنظمات الإرهابية من خلال تأجيج الاضطرابات السياسية في باماكو.

كلما استمرت الشكوك حول عودة الحكم المدني وبدء عملية انتقالية ديمقراطية، سيجد الفرنسيون صعوبة مضاعفة في متابعة جهودهم العسكرية في البلد من دون نشر مشاعر معادية لفرنسا وسط الشعب الذي يشكك أصلاً في أسباب وجود قوة استعمارية سابقة في بلدهم.

على صعيد آخر قد تؤدي الأزمة السياسية المطوّلة إلى إعاقة قدرة قوى الأمن على مواجهة التحديات الفورية التي تطرحها الجهات المتطرفة.

يشكّل تعليق عمل البعثة التدريبية التابعة للاتحاد الأوروبي حديثاً أقرب مثال على تداعيات الانقلاب في مجال التعاون الدولي، إذ لم تبالغ فرنسا في تحركاتها بقدر الاتحاد الأوروبي، حيث أعلن الجنرال فرانسوا لوكوانتر، القائد الفرنسي للقوات المشتركة، أن باريس كانت تحث الجيش المالي على التمسك بالتزاماته ضد الجماعات المسلّحة، فالحفاظ على التعاون مع القوات المسلحة المالية في عمليات مكافحة الإرهاب تزامناً مع إجبار المجلس العسكري على إعادة السلطة إلى المدنيين قد يكون مهمة شائكة لباريس، لكنه يبدو الخيار العملي الوحيد في الوقت الراهن إذا أرادت فرنسا تجنب العودة إلى أزمة عام 2013.

* جان لو سمعان