تناولت في مقاليّ الأحد والثلاثاء الماضيين "في ظلال الدستور" تفسير المادة (86) من الدستور، فيما تضمنته من ميعاد لعقد المجلس دور انعقاده العادي، المستحق دستوريا، وهو شهر أكتوبر من كل عام، طبقا لنص المادة (86) من الدستور، وأن الميعاد أو الأجل لا يعدو أن يكون وصفا لحق دستوري أو التزام كامل التكوين، ولا يعتبر عنصراً جوهريا في رأيهما، وقد وصفه الدكتور عبدالرازق السنهوري بأنه أمر عارض، ومن القواعد الفقهية التي تبنتها مجلة الأحكام العدلية، أن الأصل في الصفات العارضة العدم، لذلك لا يمكن لشهر أكتوبر أن يخلق دور انعقاد عادي من العدم، وأنه ليس لهذا الشهر قداسة، كمواقيت العبادات في قوله تعالى "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ" وفي قوله سبحانه "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً".

Ad

إساءة استخدام الحق

ومن ناحية أخرى فإن عقد المجلس دوراً خامساً في هذا الفصل بحلول شهر أكتوبر دون مبرر أو مقتضى، بعد أن استكمل المجلس كل أدوار انعقاده السنوية، واستكمل المدة المنقوصة من دور الانعقاد العادي الأول، ينطوي على إساءة لاستخدام الحق، ذلك أنه من قواعد الأصول في الفقه الإسلامي أن الأمور بمقاصدها، وأنه لا يجوز أن يُبتر الحق عن غايته أو يجرد من المصلحة التي شرع لها، أو أن يتخذ وسيلة لتحقيق غرض آخر، ينافي غرض المشرع فيما رسمه من غاية ومصلحة، وأنه إذا لزم من تحصيل المصلحة المشروعة نتائج ضررية فقد وقع التناقض مع قصد المشرع بما يبطل العمل ولو كان في أصله مشروعا.

وقد جسد القانون المدني هذه القاعدة الفقهية فيما نصت عليه المادة (30) من أنه "يكون استعمال الحق غير مشروع إذا انحرف به صاحبه عن الغرض منه أو عن وظيفته الاجتماعية وبوجه خاص، إذا كانت المصلحة التي تترتب عنه لا تتناسب البتة مع الضرر الذي يلحق بالغير".

وتنتفي المصلحة من عقد هذا الدور، دون مبرر أو مقتضى في الوقت الذي تترتب عليه نتائج ضررية لا تتناسب مع انعدام المصلحة من عقد هذا الدور، وتتمثل هذه النتائج في أن السبت الثالث من شهر أكتوبر في هذا الفصل يقع خلال فترة الستين يوما السابقة على انتهاء هذا الفصل، الأمر الذي يتوجب خلالها إجراء انتخابات عامة للمجلس الجديد، وأن بقاء المجلس منعقدا خلال هذه الفترة ينطوي على أمرين كلاهما مر، عدم استطاعة أعضاء المجلس من الالتقاء بقواعدهم الانتخابية بالشكل المكثف الذي يستطيعون في حال تفرغهم لذلك، فضلا عن الإخلال بتكافؤ الفرص مع المرشحين الجدد لهذه الانتخابات، الذين لا يملكون ما يملكه عضو المجلس في ممارسته مهام المجلس في التشريع والرقابة، واكتساب المزيد من الأصوات الانتخابية، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام "لا ضرر ولا ضرار".

وتقوم نظرية إساءة استخدام الحق على الإخلال بركن في العمل القانوني، وهو ركن الغاية أو الباعث، أو النتيجة النهائية التي يسعى مستخدم الحق إلى تحقيقها.

والغاية الأولى التي تسعى إليها كل سلطات الدولة في تصرفاتها هي تحقيق المصلحة العامة، ويقف الى جانب هذه الغاية، الغايات التي يحددها الدستور لكل سلطة في ممارسة مسؤولياتها، سواء كانت السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية.