عنونتُ زاويتي في الأسبوع الماضي بـ "الدكتور الغنيم... الدكتور الشطي"، متطرقاً فيها لنهج ودأب وعطاء وإخلاص كلّ من وزير التربية السابق المؤرخ والشاعر د. يعقوب الغنيم، والأستاذ الدكتور سليمان الشطي، قاصاً وروائياً وناقداً وأستاذا معلماً في جامعة الكويت.

وقد وصلني أكثر من عتب بأنّي كنتُ منحازاً للرجال دون النساء، وأنّي لم أذكر أي سيدة، وحينها ابتسمتُ لمحدثي، فأنا منذ بدأت كتاباتي في منتصف السبعينيات، كنتُ منحازاً بكلّي لعالَم المرأة، ولم يكن هذا لشيء إلا لقناعتي بحجم المعاناة والمسؤولية التي تقع على كاهل كل امرأة منذ نعومة خطواتها، مروراً بطفولتها وصباها ومراهقتها، وانتهاءً بزواجها ومسؤوليتها تجاه زوجها وبيتها ونفسها وأطفالها! وأشرت لمُحدثي إلى أنّ أعمالي الروائية جميعها جاءت ببطولات نسائية، باستثناء عمل واحد هو رواية "النجدي"، التي جاءت ببطولة رجالية، لأنها سيرة ذاتية للنوخذة علي ناصر النجدي.

Ad

وأخيراً ذكّرت محدثي بأنّي أشرتُ مراراً، في مقابلاتي الصحافية والتلفزيونية إلى أن والدتي موضي الفهد، يرحمها الله، وحدها كانت الأكثر تأثيراً في حياتي، وأنّ موقفي منها انسحب تالياً على علاقاتي بالمرأة؛ الأخت والزوجة والابنة والحبيبة والصديقة والزميلة، وأي امرأة كانت. وإذا كان لا بدّ لي من التطرّق إلى نساء كنَّ وما زلن يمثّلن وجهاً مشرقاً من وجوه العطاء الإبداعي والثقافي والاجتماعي، فما أكثرهن في الكويت، لكنّي بالضرورة سأتوقف عند الصديقة العزيزة الأستاذة ليلى العثمان، التي كانت صديق درب لما يزيد على أربعين سنة، وإننا، الروائي والقاص الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، وهي وأنا، شكّلنا حضوراً كويتياً خليجياً عربياً طوال عقود، وكنّا نتشارك، ربّما بشكل يومي، الوصل الإنساني مع الأصدقاء، إضافة إلى القراءة ومراجعة الكتابات والوقوف أمام اللوحة التشكيلية والموسيقى. ولذا فالحديث عن ليلى العثمان، الإنسانة والكاتبة هو حديث يمسّني بقدر ما يقول شيئاً عنها.

لكتابات العثمان ملمحان أساسيان، هما استحضار كويت الماضي، كويت ما قبل النفط، كويت ما قبل الحداثة، بكل تشعُّباتها وألوان طيفها بشراً وحجراً، وكذلك جراءة طرحها لأفكارها، وشجاعتها في قول ما يصعُب قوله على المستوى الشخصي، في مذكّراتها، وعلى المستوى الاجتماعي، وفي نقد الظواهر الاجتماعية القاسية، وتحديداً ما يُسيء للمرأة.

ما يجعل ليلى العثمان تنتمي لعالَم كل من د. الغنيم ود. الشطي، هو كونها كانت ولم تزل تعيش علاقة وطيدة ودائمة ومتجددة مع القراءة والكتابة ومستجدات الساحتين الإبداعية والثقافية، أياً كانت صعوبة الظروف الخاصة التي تعيشها. فكتابات العثمان تقدّم صورة جليّة وموحية لوضع المرأة الكويتية والخليجية وتالياً العربية، وهي أعمال بقدر ما تقدّم مادة إبداعية خاصة بليلى، فإنها تقدم توصيفاً عاماً يشير ويشخّص وضع وهموم المرأة وآلامها!

نعم، ليلى العثمان، الكاتبة والزوجة والأم والجدّة، قدمت ولا تزال تقدّم عطاءً أدبياً مستمراً، وهي بقدر ما تعيش منعطفات عالمها الخاص، فإنّها تحمل الكتاب والقراءة والكتابة حيثما كانت وحيثما حلّت، حتى صار يُشار إليها بوصفها وجهاً ثقافياً كويتياً خليجياً عربياً وعالمياً، وخاصة مع تنوّع نتاجها الإبداعي بين القصة القصيرة والرواية وكتابات السيرة الذاتية، إضافة إلى كتاباتها الصحافية. إن التعرُّض والكتابة عن ليلى العثمان، في هذه العجالة، يستوجبان بالضرورة الإشارة والتأكيد على أنها في كتاباتها وحياتها الخاصة والعامة وجهان لعُملة واحدة. فليلى تكتب ما تؤمن به وتؤمن بما تكتُب. وأنها وخلافاً لبعض الكاتبات العربيات اللاتي يعانين سطوة المجتمع وقسوته، فإنّها امتلكت منذ بدايات كتاباتها صوتها الخاص بجراءتها على قول كل ما يُقال، حتى لو كان صادماً أو خارجاً عن السائد الاجتماعي، ومؤكد أن في هذا ميزة أساسية للكتابات الإبداعية، في قدرتها على أن تهزّ القناعة الاجتماعية الساكنة والسائدة، وأن تقول كلمة صادقة يصدّ المجتمع عن مواجهتها ويهرب إلى الصمت حيالها.

ليلى العثمان، الكاتبة الإنسانة ليست استثناءً في المجتمع الكويتي، بل هي نموذج لنساء كثيرات ومخلصات لعطائهن الإنساني والاجتماعي والثقافي، نساء كنّ ولم يزلن نماذج مشرقة في بلدي الحبيب الكويت!