انعكست العقوبات الأميركية الأخيرة، التي شملت وزيرين لبنانيين سابقين حليفين لـ«حزب الله»، بشكل سلبي على مفاوضات تأليف الحكومة. وأخذت الأمور أبعاداً مختلفة تمثلت بدخول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خط التأليف بعد إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على وزارة المال واعتبارها «مسألة ميثاقية».

واتصل الرئيس الفرنسي برئيس المجلس، مساء أمس الأول، في محاولة منه لحسم الملف الحكومي قبل نهاية مهلة الـ 15 يوماً الفرنسية لتشكيلها التي تنتهي غداً، لكنه فوجئ بموقف سلبي لبري وتحديداً لجهة تخليه عن وزارة المالية.

Ad

وقالت مصادر سياسية لـ»الجريدة»، أمس، إن «بري كان حاسماً لجهة موضوع وزارة المالية، ونقل هذا الأمر لماكرون»، مشيرة إلى أن «الثنائي الشيعي مازال على موقفه ولن يقبل بالتنازل عن حقيبة المال، كما أنّ بري متمسك بتسمية من يشغلها».

ولم يكد ينتهي اتصال ماكرون ببري حتى أعلن الأخير «عدم المشاركة في الحكومة المقبلة»، ما يُعقّد الجهود المبذولة لإعلانها.

بري والفرنسيون

واعتبر بري أن «المشكلة ليست مع الفرنسيين، المشكلة داخلية ومن الداخل. أطلق عنواناً واحداً للحكومة الاختصاص مقابل عدم الولاء الحزبي وعدم الانتماء النيابي وفيتوات على وزارات والاستقواء بالخارج وعدم إطلاق مشاورات».

وقال في بيان أمس: «لذا أبلغنا رئيس الحكومة المكلّف، ومن تلقائنا، عدم رغبتنا بالمشاركة على هذه الأُسس في الحكومة، وأبلغناه استعدادنا للتعاون إلى أقصى الحدود في كل ما يلزم لاستقرار لبنان وماليته والقيام بالإصلاحات وإنقاد اقتصاده». وأشارت مصادر سياسية رفيعة لـ«الجريدة»، أمس، إلى أن «بري نسّق موقفه مع حزب الله وهو بموقفه هذا يتكلّم باسم الثنائي الشيعي».

وساطة الحريري

وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري زار بري، أمس الأول، في محاولةٍ منه لتقريب وجهات النظر بين رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب و«الثنائي الشيعي».

وكشفت مصادر متابعة أن «الحريري حاول إقناع رئيس المجلس بالتخلي عن وزارة المال، وتثبيت مبدأ المداورة. لكن برّي رفض طرح الحريري». وأضافت: «اعتبر بري أن الموضوع غير قابل وغير خاضع للنقاش، وليس هناك ما تغيّر ويستدعي تغيير موقفه وموقف حزب الله من خلفه».

وتابعت: «شدّد بري على أنه متمسك بوزارة المال حرصاً على الميثاقية، ولن يتنازل عنها. وتوجه إلى الحريري بالقول: بماذا تفكرون؟ وكيف تطرحون معي هذا الأمر؟ خصوصاً بعد كل الضغوط التي تحصل». وختمت المصادر: «تمسك بري بمبدأ اختياره لوزير المال، وأن لا شيء تغير منذ زيارة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى باريس ليتغير».

شروط باسيل

في موازاة ذلك، حسم رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل أمس، موقفه «الحكومي»، مؤكداً أن «لا رغبة لدينا بالمشاركة في الحكومة الجديدة» كما لا نية لديه بوضع شروطٍ أو مطالب تعوق المبادرة الفرنسية التي يريد لها النجاح، وفي الوقت ذاته يتخوّف من عدم نجاحها، تاركاً الباب مفتوحاً أمام ضرورة التشاور وتقديم النصائح لتسهيل ولادتها.

ووجه باسيل في كلمته، أمس، جملة رسائل إلى الأحزاب السياسية حلفاء ومعارضين، كاشفاً أن «حزب الله لا يعرقل المبادرة الفرنسية بل يسهّل تحقيقها، وبدأ يفكّر بالعودة من سورية، ومن واجبنا دعم واحتضان هذا القرار».

كما وجه باسيل رسالة إلى بري، فشدّد على أننا «مع المداورة في الوزارات لكن نرفض الاستقواء بالخارج لرفض أي شيء على بعضنا، ولسنا مع استغلال وضع معيّن لكسر بعضنا»، مشيراً إلى أنه «لو حصلت طائفة على وزارة عدّة مرّات، بما فيها هذه المرّة فهذا لا يعني أن الأمر أصبح عرفاً، لأن العرف يجب أن يكون مقبولاً من الجميع، والدستور واضح بعدم تكريس وزارة لطائفةٍ. أما إذا كان الهدف تكريس التوقيع الثالث، فهذه مثالثة ونحن نرفضها حتماً» وذلك في معرض ردّه على تمسّك حركة «أمل» بوزارة المال من بوابة التوقيع الشيعي الثالث.

موقف الراعي

في موازاة ذلك، قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، إنه «لا يمكن بعد الآن القبول بحكومة مماثلة لسابقاتها، أوصلت الدولة إلى ما هي عليه من انهيار». وتساءل: «لماذا يتعثر تأليف حكومة إنقاذية مصغرة مستقلة، توحي بالثقة والحياد في اختيار شخصيات معروفة بحاضرها وماضيها الناصعين؟ أليس لأن المنظومة السياسية غارقة في وباء الأنانية والفساد المالي والمحاصصة، على حساب المال العام وشعب لبنان؟ ولا يمكن بعد الآن القبول بحكومة سيكون فيها استملاك حقائب وزارية لأي فريق أو طائفة باسم الميثاقية».

وسأل: «أين تبخّرت وعود الكتل النيابية بأنها لا تريد شيئاً ولا تضع شروطاً؟». وأكد أن «الحياد ضروري كي يكون لبنان مكان التلاقي والحوار مع الجميع. فلبنان بحياده الناشط، ضرورة لهذه البيئة المشرقية، ومصدر حياة نابضة له وعيش كريم لشعبه».

وطالب الراعي​، خلال قداس لراحة نفس ​ضحايا​ ​انفجار مرفأ بيروت​​ في «كاتدرائية حريصا»، ​الأمم المتحدة​ بفرض التحقيق الدولي على السلطات اللبنانية.