بعد 19 عاماً من هجمات "11 سبتمبر" التي تسببت بغزو الولايات المتحدة لأفغانستان وإزاحة نظام "طالبان" الذي كان يأوي زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، بدأت الحكومة الأفغانية، المدعومة من الغرب، والحركة المتمردة، محادثات سلام تاريخية برعاية واشنطن في العاصمة القطرية الدوحة أمس.

وترأس وفد كابول عبدالله عبدالله في حين ترأس وفد "طالبان" زعيم حركة الملا بردار أخوند وحضر الجلسة الافتتاحية وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ونظيره القطري محمد بن عبدالرحمن.

Ad

وأقر المتفاوضون في الجلسة، التي بدأت بتلاوة القرآن الكريم، بأن المحادثات ستكون طويلة ومعقدة، حيث تجري على وقع استمرار أعمال العنف التي تحصد العشرات في المناطق الأفغانية يومياً.

فرصة ووفاء

وقال بومبيو في كلمته: "سنواجه بلا شك العديد من التحديات في المحادثات خلال الأيام والأسابيع والأشهر القادمة. تذكروا أنكم تعملون ليس فقط من أجل هذا الجيل من الأفغان بل ومن أجل الأجيال القادمة أيضاً".

وحث الوزير الطرفين على انتهاز الفرصة، وقال إن المحادثات، المقرر أن تبدأ اليوم الأحد، تحتاج عملاً شاقاً وتضحيات لكنها يمكن أن تتمخض عن سلام دائم.

وأكد أن "اختيار النظام السياسي المستقبلي أمر أنتم من يحدده بالقطع"، لافتاً إلى أنه يأمل أن يكفل الحل حقوق جميع الأفغان ويضمن تطور المجتمع بما في ذلك مشاركة المرأة في الحياة العامة.

وشدد على أن واشنطن تدرك أن "الأفغان يتوقون إلى تولي إدارة شؤونهم بأنفسهم ولا تسعى إلى فرض نظامها على الآخرين".

أما زلماي خليل زاد، المبعوث الأميركي الذي قاد محادثات الانسحاب الأميركي مع "طالبان"، فأكد أن الجدول الزمني لمغادرة القوات الأجنبية من أفغانستان، بحلول مايو المقبل، لا يزال على المسار الصحيح، وأن وقف إطلاق النار الشامل يجب أن يحدث قبل ذلك. وحذر خليل زاد من أن واشنطن لن تضمن قيام دولة أفغانية في المستقبل لا تتماشى مع "القيم العالمية" بما في ذلك حقوق المرأة، موضحاً "لا يوجد شيك على بياض".

وضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، باتجاه سحب القوات الأميركية وإنهاء أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة.

ويسعى ترامب للوفاء بوعده الانتخابي الذي أطلقه في 2016 بإنهاء "الحروب الأميركية التي لا تنتهي".

من جهته، قال رئيس الوفد الأفغاني الرسمي، إن اجتماع الدوحة يتيح إمكانية إبرام اتفاق سلام.

وأضاف: "أعتقد أنه إذا مد كل منا يده للآخر وعملنا بصدق من أجل السلام فسوف تنتهي المعاناة الراهنة في البلاد".

ودعا المسؤول الحكومي إلى اتفاق على وقف إطلاق نار في أسرع وقت ممكن، مؤكداً رغبته في "وقف إطلاق نار إنساني"، شاكراً ممثلي "طالبان" على حضورهم.

وبحسب كبير المفاوضين باسم كابول، فإنّ 12 ألف مدني قتلوا وأصيب 15 ألفاً بجروح منذ توقيع اتفاق السلام بين الحركة والولايات المتحدة بشأن الانسحاب من أفغانستان في فبراير الماضي بالدوحة.

نظام وخلاف

لكن زعيم الحركة المتشددة، وأحد مؤسسيها، لم يتبن موقفاً مماثلاً لرئيس الوفد الحكومي.

وفيما قد يكون نقطة الخلاف الرئيسية خلال المحادثات، شدّد برادر أمام المجتمعين على أن تكون أفغانستان بلداً مستقلاً ومزدهراً بنظام إسلامي يعيش في ظله الجميع بدون تفرقة.

وقال برادر: "أريد من الجميع أن يعتمدوا الإسلام في مفاوضاتهم واتفاقاتهم وألا يضحوا بالإسلام من أجل مصالح شخصية".

وتشعر الحركة المتمردة التي لا تعترف بشرعية حكومة الرئيس أشرف غني، بأن خفض العنف في البلاد قد يؤدي إلى محاصرة نفوذها.

لا غالب

من جهته، أكد وزير الخارجية القطري في كلمة الافتتاح أن الطرفين "لا بد وأن يتخذا القرار الحاسم بما يتفق مع التحديات القائمة وأن يسموا فوق كل أشكال الفرقة من خلال التوصل لاتفاق على أساس لا غالب ولا مغلوب".

ونظمت الدوحة المحادثات التي تأخرت لمدة 6 أشهر، بسبب خلاف حول إطلاق صراح أسرى من "طالبان" وانتشار جائحة كورونا"، في غرفة اجتماعات كبيرة في فندق ضخم تم توزيع المقاعد فيه على مسافات متباعدة اجتماعياً في مقابل لافتة كتب عليها "مفاوضات سلام أفغانستان" بأربع لغات.

بدوره، حثت وزيرة الخارجية النروجية إين إريكسن سورييد جميع الأطراف على إدراج "النساء والضحايا والأقليات وأصحاب المصلحة الآخرين" في المسار السياسي، قائلة إن من شأن ذلك أن يكون المفتاح لاتفاق دائم.

في غضون ذلك، رحب حلف "الناتو" و"الاتحاد الأوروبي" ببدء المفاوضات الأفغانية، داعيين الأطراف إلى الانخراط بشكل بناء لإنهاء العنف وتحقيق سلام شامل في البلاد.

نجاح وشكوك

ويرى مسؤولون ودبلوماسيون ومحللون أنه على الرغم من أن الجمع بين الطرفين على طاولة المفاوضات يعد إنجازاً في حد ذاته فإنه لا يعني أن الطريق للسلام سيكون سهلاً.

ورغم ذلك يقول العديد من الدبلوماسيين وضحايا العنف وأعضاء المجتمع المدني، إن المفاوضات هي السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 100 ألف مدني وعرقل تنمية أفغانستان وترك الملايين في حالة فقر.

ويعتقد مراقبون، أن "طالبان" ستسعى إلى إعادة بناء أفغانستان لتصبح "إمارة إسلامية"، بينما ستعمل إدارة غني على الحفاظ على الوضع الراهن المدعوم من الغرب لجمهورية دستورية كرّست العديد من الحقوق بما في ذلك مزيد من الحريات للمرأة.

وهناك أربع نساء من بين أعضاء فريق كابول وعددهم 21، بينما لا توجد أي امرأة في وفد "طالبان" الذي يضم العدد ذاته بمفاوضات الدوحة.